الجيل الناشط

الشباب يستبدل السياسة التقليدية بالتظاهر

تقرير استقصائي بقلم هذر كراوس، رئيسة علم البيانات - بريد إلكتروني

 

البيانات الكامنة خلف المقال

تشهدُ بلدانٌ كثيرة حاليًا على تحوُّلات سياسيةٍ بارزة ومفاجئة، وقد تردّدَ على لسان وسائل الإعلام والباحثين أمورًا من مثال "فقاعات الـمِرشَح" و"غُرف التردّد" والفتور الشبابي والشعبويّة، ممّا أثار فضول فريق عمل منظّمة "أورب ميديا" بشأن نظرة الشباب إلى حكومتهم وإلى السياسة والمشاركة المدنية، والطرق التي تختارها الأجيال الشابّة الحاليّة متى أرادت تغيير نواحٍ ما في مجتمعها.

أن نفهم كيفيّة تفاعل شباب اليوم (أي من هم دون سنّ الأربعين) مع حكوماتهم لَهو أمرٌ معقّد وينطوي على تفاوتات إقليميّة واسعة. كما أنّ المشاركة المدنيّة على صلة بالبيئة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، وهي عناصر دائمة التطوّر عالمياً. إلى هذا، ساهمت التكنولوجيا في تسريع عجلة التغيير على مرّ العقود الماضية، متيحةً بذلك للمواطنين فرصًا جديدة للتواصل، وموفّرةً منابر نقاش متعدّدة سهلة الاستخدام.

وإذ أنّنا أخذنا بالاعتبار الفروق بين بلدٍ وآخر، ارتأينا اعتماد البيانات لمعرفة كيفيّة مشاركة شباب اليوم في السياسة، وتحديد ما إذا كانت هذه المشاركة قد تغيّرت مع الوقت.

تُتيح عملية تحليل البيانات التعمّق في الميول والأنماط التاريخية والتطوّرات الناشئة في إطار الإشراك في المجتمع المدني. ويوفّر لنا علم البيانات الحديث فرصة لمعاينة أوضاع محدّدة حول العالم بغية تعزيز المقارنة. كما ويمكن لبيانات الاستطلاعات الاجتماعية التي تُجمَع على امتداد عقد أو أكثر أن تلقي الضوء على الميول التي تتشكّل مع الوقت والعلاقات بين الأفكار الفردية والدولية – غير أنها لا تؤشّر تعيينًا إلى الأسباب التي تُعزى إليها الميول الاجتماعية الواسعة النطاق.

تلخيص البيانات

- جُمعت البيانات بطريقة علميّة من 979 ألف مستجيب في 128 بلدًا، وهي بيانات مُدرجة في استطلاعات تمثيليّة على الصعيد الوطني.

- شملت التحاليل الإحصائيّة نظام Rake Weighting (وهو نظام معتمد في تحديد نتائج الإحصاءات من خلال احتساب التباين ما بين معدّل فئة من المشاركين في الاستطلاع ومعدّل هذه الفئة نفسها على الصعيد الوطني) والوحدات الخطّية المتعدّدة المستويات.

- تُظهر البيانات فجوة عمريّة لافتة وآخذة في الاتّساع بين جيل الشباب والجيل الأكبر سنًا بشأن الوسائل المفضّلة للمشاركة في المجتمع المدني.

- وجود فجوة عمرية أساسيّة في صفوف مَن أبدوا اهتمامًا بالسياسة.

- عدم استغلال قوّة تصويتيّة أساسيّة في وسط الشباب.

- وجود علاقة قوية بين الفساد والرغبة في التصويت لدى الراشدين الشباب.

بالاستناد إلى البيانات المرجّحة التمثيلية لـ128 بلدًا، والتي جُمعت علمياً من استطلاعات شارك فيها 979 ألف مواطن، وبفضل عملية التحليل الشاملة والفريدة لهذه المعطيات، وجد فريق "أورب ميديا" لعلم البيانات ميولاً بارزة ومتزايدة لدى الفئة السكانية الشبابية على صعيد الأنشطة السياسية غير الرسميّة كالتظاهر والاحتجاج، في حين أنه سجّل تدنيًا في رغبة الفئة الأكبر سناً (ما فوق سنّ الأربعين) في المشاركة في هذه الأنشطة مقارنةً بالعقود الماضية.

وتُبيّن تحاليلنا لعامي 2016 و2017 ظهور فجوة عالميّة بين الأجيال بنسبة 6 في المئة إلى 13 ، بين من هم دون سنّ الأربعين وفوقها، ممّن أعلنوا عن مشاركتهم في تظاهرة أو احتجاج.

قُمنا من ثـمّ بتحليل النشاط السياسي للمستجيبين الذين أبدوا اهتمامًا بالسياسة، وقد فاق عددهم النصف. فتبيّن أن العددَ النسبي لشريحتي الشباب والأكبر سنًا الذين أبدوا اهتمامًا بالسياسة بقي على حاله بحسب معطياتنا.

كما وسجّل الراشدون دون سنّ الأربعين ميولاً أقوى بنسبة 9 في المئة إلى 17 ، مقارنةً بـمن هم فوق سنّ الأربعين تجاه النشاط السياسي غير الرسمي – ويدلّ ذلك على ارتفاع لافت منذ بداية القرن الحالي، حين كان الفرق في النسبة 3 في المئة فقط. ويبدو أن هذا الميل يُشكّل ظاهرة عالمية ومتنامية.

كما وجدنا أنّ الشباب الذين يمارسون الأنشطة السياسية غير الرسميّة كالتظاهر والاحتجاج، لا يصوّتون بالضرورة. وتُظهر بياناتنا علاقة ما بين نظرة الفرد إلى الفساد واحتمال إقدامه على التصويت. وتبدو هذه العلاقة أقوى لدى الناخبين دون سنّ الأربعين مقارنةً بمن هم فوقها.

طُرق جمع البيانات

تساعد البيانات الاجتماعية التي تُجمَع علميًا في إيضاح كيفيّة مشاركة الجيل الشبابي حول العالم في حكوماتهم وأنظمتهم السياسية. وتكمن قيمة هذه البيانات في أنّها تتخطّى وجهات النظر الانتمائية الحزبية والقضايا الوطنية الضيّقة.

كما استعانت "أورب ميديا" بحقيبة أدوات فريدة هي "إستمع وتعلّم" Listen and Learn لجمع البيانات بطرق مختلفة متعدّدة، وعاينتها من خلال تحليل إحصائي حديث وفعّال. وقد مكنّنا هذا الأسلوب من استكشاف الميول العالمية ومقارنة البلدان والفئات العمرية وتحليل مختلف العوامل الفاعلة في هذه الظواهر.

عملن بالتعاون مع منظّمات مالكة للبيانات بغية التوصّل إلى البيانات الأوّليّة البحت التي أدّت إلى إنشاء جملة من مجموعات البيانات المجمّعة علمياً. وشملت هذه المنظّمات كل من "يوروبيون سوشال سورفي" European Social Survey(2002-2016)، ":كوكس باروميتر" Caucus Barometer (2008-2017)، "ّي أميريكاز باروميتر" The Americas Barometer (2004-2017)، "ذو آيجن باروميتر" The Asian Barometer (2000-2016)، "ذو آفرو باروميتر" The Afro Barometer (2001-2016)، "ذو وورلد فاليوز سورفي" The World Values Survey (1984-2014)، "يوروباروميتر" Eurobarometer (1980-2017)، الاستطلاع الاجتماعي الأميركي العام USA’s General Social Survey (1980-2016) والاستطلاع الاجتماعي الكندي العام Canada’s General Social Survey (1985-2015).

تُجمع مجموعات البيانات هذه من خلال عيّنات ترجيحية وطنية تمنح كل مواطن من كل بلد فرصة متساوية في عملية اختياره للمشاركة في الاستطلاع. ودائماً ما تكون طريقة اختيار وحدات العيّنات عشوائية، أكان من خلال لوائح الإحصاءات الرسميّة للسكان أو باعتماد مقاربة مناطقية متعدّدة المراحل. ويمكن أيضاً ترجيح العيّنات أو رصفها (مطابقتها) للحرص على التغطية المناسبة والصحيحة للمناطق الريفية والأقليات السكانية.

تُجمع البيانات على يد فريق من الحاسبين الذين خضعوا لتدريب مهني. كما ويتم التحقّق من جودة العمل في كل مرحلة من مراحل ترحيل البيانات، وذلك للتأكّد من خضوع المعلومات المستقاة من الاستمارات الورقية إلى التنقيح والترميز وإدخالها بشكل صحيح تمهيدًا للتحاليل الحاسوبية.

وحصلت منظمة "أورب ميديا" على إذن بالاطّلاع على البيانات الأصلية المسجّلة، أي إلى البيانات الكاملة عن كل فرد، بما فيها مجموعة مختارة من الترجيحات لعيّنات من الاستطلاع. (والترجيحات هي عبارة عن أسلوب مستخدم لتقدير عدد الأشخاص الممثّلين في فئة سكانية معيّنة عبر إجابات المشاركين في الاستطلاع).

وتُستخدم أداة استفتاء نموذجيّة لجمع البيانات تحتوي على وحدة أساسية من الأسئلة المتشابهة أو المتطابقة من حيث المعنى. ومتى أمكن، تُقاس المفاهيم النظرية بعددٍ من النقاط بغية اختبار صدقيّة الاستفتاء ودقّته. وتتحدّد كيفية صياغة الجمل في الأسئلة من خلال إنشاء توازن بين مختلف المعايير التي تشتمل على موضوعات البحوث التي يتم التركيز عليها في الاستطلاع، ومدى إمكانية فهم المواطنين العاديين للأسئلة، وثبوت فعالية السؤال لدى اختباره في استطلاعات سابقة.

دُمجت مجموعات البيانات هذه عبر نظام ترجيح عيّنات الاستطلاع المقسّمة بحسب الطبقات الاجتماعية (stratified survey sample weights)- وهو أسلوب دمج بيانات يساعد على التعويض عن الاختلافات بين الطرق المعتمدة في الاستطلاعات والتخلّص من الانحرافات القائمة بين العيّنة والمجموعة السكانية التي تمثّلها، وهي عوامل قد تُخلّ بالنتائج. وتضمّنت العيّنة النهائية ما مجموعه 979،169 مستجيبًا من 128 بلدًا. ثم عمدنا إلى الاستعانة بنظام النموذج الخطي التدرّجي لتقدير الميول ومفاعيلها على مرّ السنين. كما واستخدمنا اختبارات Wald لتقييم أهمية الإحصاءات وتعديلات Bonferroni على النماذج كافة.

وبغية الإضافة إلى قاعدة البيانات العالمية الهائلة وتعزيزها، وتشجيع القرّاء على المشاركة في المقال، قامت منظمة "أورب ميديا" بتصميم استطلاع لجمع بيانات آنية. ويحتوي الاستطلاع على ستة أسئلة مطابقة لتلك الواردة في الاستطلاعات العالمية الكبيرة أو شبيهة بها وعُدّلت مراعاةً لخصائص البلد المعني. وتمَّ تداول هذا الاستطلاع على شبكة الإنترنت لجمع عيّنة مناسبة من البيانات. كما ووظّفنا حاسبين محترفين في بعض البلدان لاستعمال هذا الاستطلاع وجمع معلومات أحدث وأدقّ حول البلد المعني. لدى صياغة هذا المقال، تضمنّت بيانات عام 2018 3،754 مستجيبًا من 52 بلدًا.

واقتصرت المؤشّرات التي اخترناها لقياس مفاهيمنا على ما يلي:

- السن: عام الولادة المحدّد من الفرد

- الأنشطة السياسية غير الرسميّة: المشاركة في مظاهرة و/أو احتجاج

- الأنشطة السياسية الرسميّة: المشاركة في حملة إنتخابية أو غيرها من الأنشطة المنظّمة بصفة عضو منتسب إلى حزب سياسي

- الاهتمامات السياسية: درجة الاهتمام بالسياسة المحدّدة من الفرد

- التصويت: السلوك التصويتي المحدّد من الفرد

- النظرة إلى الفساد: النظرة إلى الفساد و/أو مدى الثقة بحكومة البلد المحدّدتان من الفرد

وتكمن مواطن قوّة هذا التحليل في مجموعات البيانات المبنيّة على معطيات مستقاة علميًا على مرّ السنين وفي مختلف البلدان، والتي تتيح إنشاء مقارنة متينة على مرّ الزمن بين الميول ذات الفروق البسيطة على الصعيد الوطني كما العالمي. وتساعدنا الطرق الإحصائية المتقدّمة في تقدير الميول التي من شأنها أن تكون بنّاءة وتلك التي من شأنها أن تكون بلا وقع.

أما القيود التي تكبّل التحاليل، فتعود إلى مصدر بيانات الاستطلاعات الاجتماعيّة، أي الأفراد الذين يجيبون عن الأسئلة المطروحة. وهذا يعني أنّ استنتاجاتنا عرضة لأخطاء المشاركين الذين إمّا يبالغون في إجاباتهم وإما يجيبون بحسب فهمهم الخاص لصياغة السؤال.

الاستنتاجات

المشاركة في الأنشطة السياسية

ما إن شرعنا في تحليل البيانات حتّى تجلّى لنا على الفور أمرٌ مهمّ وهو التحوّل في الطريقة التي يختار بها جيل الشباب المشاركة في المجتمع المدني.

فقد اختارت، في السنوات القليلة الماضية، نسبة 26 في المئة من الشباب المهتمّين بالسياسة أن يشاركوا عبر التظاهر، في حين بلغت نسبة الأكبر سناً 12 في المئة خلال الفترة نفسها. وتشكّل هذه الظاهرة ارتفاعاً لافتاً منذ بداية القرن الحالي، حيث جاءت نسبة من يميلون إلى التظاهر ممن هم دون سنّ الأربعين على 3 في المئة فقط.

اتّساع الفجوة بين الأجيال من حيث المشاركة في الأنشطة السياسية غير الرسميّة

charts-8-24-18-v2-ARABIC-2.jpg

النِسَب المئويّة للأفراد المهتمّين بالسياسة

تبيّن أن نسبة ميل المواطنين اليافعين إلى المشاركة في نشاطات سياسية غير رسميّة (تظاهرات واحتجاجات) تتعدّى نسبة الجيل الأكبر سنًا وهي في تزايد مستمر. وتشير النتائج إلى أن النسبة الحاليّة لجيل الشباب الذي يميل إلى المشاركة في هذه الأنشطة غير الرسميّة تُراوح بين 9 في المئة إلى 17 عالمياً.

يشهد معظم البلدان على فجوة بين الأجيال من حيث المشاركة في الأنشطة السياسية غير الرسميّة

charts-8-24-18-v2-ARABIC-3.jpg

النِسَب المئويّة للأفراد المهتمّين بالسياسة

تتفاوت الأرقام بشكل لافت بين البلدان وتتضمّن لائحة البلدان التي تشهد على الفجوات الأكبر كلاً من النمسا وبلغاريا وسلوفينيا والجمهورية التشيكية وإستونيا وكولومبيا وبولندا.

في الرابط وما يليه الجدول الكامل للفجوات الحالية بين الأجيال في كلٍ من البلدان، علماً أن الخطأ النسبي العالمي يبلغ 4،75 في المئة.

يشهد معظم البلدان على فجوة بين الأجيال من حيث المشاركة في الأنشطة السياسية الرسميّة

charts-8-24-18-v2-ARABIC-4.jpg

النِسَب المئويّة للأفراد المهتمّين بالسياسة

إنّ العلاقة التي تربط بين ميول الفئة الشبابيّة إلى المشاركة في الأنشطة السياسية غير الرسميّة وميولها إلى التصويت في انحدار. بمعنىً آخر، كان اهتمام الشباب بالسياسة ومشاركتهم في التظاهرات دلالة على ميول كبيرة إلى التصويت. أما في العام الماضي، فاختلف الحال. ففي بداية القرن الحالي، بلغت نسبة المجموعة السكانية الشبابية التي صوّتت وشاركت في مظاهرات 15 في المئة مقارنةً بنسبة 7 في المئة عام 2017.

السلوك التصويتي

حين نقارن نسبة الناخبين ما دون سنّ الأربعين المؤهّلين للتصويت بنسبة الناخبين نفسهم الذين أبلغوا عن إقدامهم على التصويت، كما إلى العدد نفسه من الناخبين ما فوق سنّ الأربعين، نجد بوضوح أن بعض البلدان لا تستفيد تمامًا من القوّة التصويتيّة. وقد تبيّن على الصعيد الدولي أن ما بين 4 في المئة إلى 11 (أي بمعدّل 8 في المئة) من الشباب لا يمارسون القوّة التصويتيّة، علمًا أن الأرقام تتفاوت بين البلدان. وبالتالي، فإن نسبة الشباب المؤهّلين للتصويت مختلفة عن نسبة الشباب الذين يُقدِمون عليه. مع ذلك، نجد أن معظم الشباب المؤهّلين للتصويت في بلدان كبولندا وأيسلندا والسودان وكوستا ريكا يمارسون حقّهم في التصويت. تجد تفاصيل هذه الأرقام في الملاحظة الختامية [i].

شباب اليوم لا يستفيد تمامًا من القوّة التصويتيّة

charts-8-24-18-v2-ARABIC-5.jpg

هنا تجد الجدول بأكمله:

الفرق في النسبة المئويّة بين فئة المؤهّلين للتصويت ممن هم دون سنّ الأربعين ونسبة الناخبين الفعليين دون سنّ الأربعين. يمكن الاستفسار عن الخطأ النسبي لكل بلد على حدة، علماً أن الخطأ النسبي الشامل يبلغ 6 في المئة.

وغالبًا ما تثير هذه الأرقام الدهشة. في ما يلي لائحة لبعض البلدان التي تشهد نسبًا متدنية جدًا من الناخبين الشباب:

- زمبابوي (2016): 33 في المئة فقط هي نسبة الشباب الناخب، علمًا أن نسبة الناخبين المؤهّلين تبلغ 38 في المئة.

- الولايات المتّحدة الأميركية: يشكّل الشباب 22 في المئة من الناخبين المؤهّلين، في حين أن نسبة الناخبين الفعليين تبلغ 15 في المئة فقط.

- جامايكا: وجدنا الفجوة نفسها في صفوف الناخبين في جامايكا، إذ إن الشباب يشكّلون 21 في المئة من الناخبين الفعليين فيما تبلغ نسبتهم 28 في المئة من بين المؤهّلين للتصويت.

إذاً، ما الذي يدفع الناخبين الشباب في بعض البلدان إلى التصويت بنسبة أقل؟ ما هي العوامل التي تؤثّر على قرارهم؟

بعد معاينة الأوضاع الاقتصادية ونِسَب البطالة والهجرة ونظرة المواطنين إلى الهجرة والاهتمام العام بالسياسة، تبيّن أنّ أيًا من هذه العوامل لا يؤثّر بشكل مباشر أو لافت على السلوك التصويتي.

إلاّ أن العامل الوحيد الذي أظهر علاقة قوية بالسلوك التصويتي لدى الشباب أكثر منه لدى الأكبر سناً كان عنصر الفساد.

وجهات النظر حول الفساد: أهي علاقة ترابط أو علاقة سببيّة؟

تساءلنا ما إذا كانت نظرة المواطن الفرد إلى مستوى الفساد في كل بلد مطابقة لآراء الخبراء بشكل عام. أقدمنا من ثـمّ على تحليل مفهوم المواطن لمستوى الفساد وآراء الخبراء بحسب مؤشّر الفساد الصادر عن منظّمة "ترانسبارنسي إنترناشونال" Transparency International لمكافحة الفساد، لنجد أنهما مترابطان. فالبلدان التي يعتبرها المواطنون أكثر فساداً تَرِدُ بشكلٍ عام نفسها على قائمة الخبراء المستقلّين.

إضافة إلى ذلك، تبيّن أن فئتي الشباب والأكبر سناً تتشابهان من حيث نظرتهما إلى مفهوم الفساد. كان الفرق الأساسي في تأثير هذه الاعتقادات على القرار الفردي بالتصويت.

كما وجدنا أن نظرة الأفراد ممن هم دون سنّ الأربعين إلى الفساد مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسلوكهم التصويتي، مما يجعل العلاقة بين الأمرين سببيّة. لكن هذه العلاقة أضعف في صفوف الفئة السكانية فوق سنّ الأربعين. وبالتالي، فإن قرار التصويت لدى الشباب يعتمد على نظرتهم إلى الفساد في حكومتهم.

نظرة الفئة الشبابية إلى الفساد وارتباطها بسلوكهم التصويتي

charts-8-24-18-v2-ARABIC-6.jpg

لجأنا إلى نظام مطابقة نتائج الميول السلوكي، وهو عبارة عن طريقة إجراء تحليل سببي في غياب بيانات إختبارية. وقد أسهمت نتائج هذا التحليل الإحصائية في دعم السببيّة.

ويتلخّص الاستنتاج الأساسي في الآتي: يتدنّى احتمال التصويت لدى الفرد الشاب الذي يعتبر حكومته فاسدة.

على المستوى العالمي، يتدنّى احتمال التصويت لدى الفئة السكانية دون سنّ الأربعين بنسبة 7 في المئة إلى 15 للذين يعتبرون حكومتهم فاسدة، مقارنة بالفئة السكانية عينها التي لا تعتبر حكومتها فاسدة.

إرتباط نظرة الفئة الشبابية إلى الفساد بسلوكها التصويتي

charts-8-24-18-v2-ARABIC-7.jpg

خمسة وعشرون بلداً في صدارة اللائحة

يتدنّى احتمال التصويت لدى من هم فوق سنّ الأربعين بنسبة تتراوح بين 4 في المئة إلى 7 فقط لمن يعتبرون حكومتهم فاسدة.

الفجوة العمريّة في العلاقة بين نظرة الناخب وسلوكه

charts-8-24-18-v2-ARABIC-8.jpg

شملت البلدان التي أشارت فيها البيانات الأحدث إلى أنّ النظرة إلى الفساد كان لها التأثير الأشدّ على قرار الشباب المؤهّلين للتصويت في ممارسة حقهم في التصويت كلاً من: السودان (52%) والمغرب (48%) وهولندا (37%). في المقابل، أفاد 20 إلى 22% من الناخبين الشباب - وهي نسبة أكثر اعتدالاً – في كل من بولندا وزمبابوي عن تأثير الفساد على قرارهم بالتصويت. أما في بعض البلدان، كالولايات المتّحدة الأميركية والهند، فكانت النسبة ضئيلة (2 إلى 4%) للناخبين الشباب الذين أشاروا إلى كون الفساد عاملاً مهماً في قرارهم التصويتي. وظهرت العلاقة شبه معدومة بين نظرة الفرد إلى الفساد واحتمال إقدامه على التصويت في بلجيكا وكولومبيا وهايتي وأيسلندا وإيرلندا ومالي والمكسيك ونيجيريا.

في ما يلي الجدول الكامل لمدى العلاقة بين النظرة إلى الفساد واحتمال الإقدام على التصويت في صفوف الناخبين ممن هم دون الأربعين. ويبلغ الخطأ النسبي الشامل 5 في المئة.

صنّف "مؤشّر مفاهيم الفساد للعام 2017" 180 (2017 Corruption Perceptions Index) بلداً حول العالم ارتكازاً إلى مفهوم السكان لمستويات الفساد في القطاع العام بحسب الخبراء والمحترفين في مجال الأعمال. وكان من اللافت غياب العلاقة المباشرة بين تصنيف بلد معيّن في "مؤشر الفساد" ومدى تأثير ذلك على السلوك التصويتي. تختبر كافة البلدان، بغض النظر عن مستوى الفساد فيها، حداً معيناً من تأثير مفاهيم الفئات الشبابية على احتمال إقدامها على التصويت.

بعبارة أخرى، يمكن أن يكون احتمال إقدام ناخب شاب على التصويت أدنى في بلد أقل فساداً، من ناخب آخر في بلد يطغى عليه الفساد. ويشير هذا الأمر إلى إمكانية تعوّد الفساد كحالة وجود طبيعية بحيث لا يؤثّر بعدها على السلوك التصويتي.

ففي السودان مثلاً، كان لنظرة الناخبين الشباب أثراً كبيراً (52%) على احتمال إقدامهم على التصويت. ويقع السودان في المراتب الدُنيا على لائحة البلدان الفاسدة بحسب تصنيف مؤشر الفساد، إذ يحتلّ المرتبة 175 من بين 180 بلداً. في المقابل في هولندا حيث تؤثّر نظرة الفساد (37%) على احتمال إقدام الناخبين الشباب على التصويت، يقع هذا البلد في المراتب العليا في التصنيف الدولي للفساد (المرتبة الثامنة من بين 180 بلداً). أما المغرب، فيقع في المرتبة 81 من بين 180 بلداً، في حين أن النتائج تدلّ على أنه البلد الثاني من حيث مستوى تأثير الفساد على نسبة التصويت (48%).

بالمختصر، أظهر تحليلنا للبيانات أن الفئات السكانية دون سنّ الأربعين تُبدي ميولاً أكبر من الفئات فوق سنّ الأربعين إلى المشاركة في أنواع غير رسميّة من الأنشطة السياسية كالتظاهر والاحتجاج. ويبدو أن هذه الظاهرة عالمية ومتنامية. كما وجدنا أن الشباب الذين يشاركون في هذه الأنشطة غير الرسميّة لا يمارسون دائماً حقهم في التصويت. وتشير بياناتنا أيضاً إلى العلاقة القائمة بين نظرة الفرد إلى الفساد واحتمال إقدامه على التصويت، علماً أنها علاقة أمتن لدى الفئة السكانية دون سنّ الأربعين مقارنة بالناخبين فوق سنّ الأربعين.