استمتع بشيخوختك
أهمية السلوك في عالم يشيخ
إن نظرتك إلى الشيخوخة ممكن أن تحدد طريقة تقدمك في العمر و طول عمرك. وقد وجدت أورب ميديا أنه في الأماكن التي يُحترم فيها المسنون أكثر يكونون فيها بصحة أفضل ويعيشون بثراء أكثر.
تقرير استقصائي بقلم
جيم ريندون، صحفيّ، بريد إلكتروني
أولوفمي تيري، صحفيّ، بريد إلكتروني
كلود كوبين امرأة فرنسية متقاعدة كانت تعمل في إلحام المعادن. في عمر الخامسة والثمانين ربما اكتشفت كلود السر خلف العيش حياةً صحية طويلة. تعمل كلود على العيش بنشاط وحيوية من خلال قضاء وقتها بلعب لعبة الكرات الحديدية (بيتانك) مع أصدقائها في حديقة عامة في باريس، حيث تصادق كلود أولاد زملائها الذين غالبا ما يكونون أولاداً في سن المراهقة، فترافقهم إلى الحفلات والسينما حتى أنهم كثيرا ما ينسون أنها قد تحتاج إلى استراحة أكثر منهم.
“أعمل على العيش حياةً جميلةً” تقول كوبين “فما زلت بصحة جيدة لأني أقوم بنشاطات كثيرة وأقابل الكثير من الناس”
ما تقوله كوبين هو عين الصواب. فالأبحاث العلمية والبيانات العالمية التي جمعتها منظمة أورب ميديا وقامت بتحليلها تثبت أن هناك علاقة واضحة بين طريقة نظرتنا إلى الشيخوخة والطريقة التي نشيخ فيها. فمن المرجح أن الأشخاص الذين يتبنون سلوكاً إيجابيا اتجاه الشيخوخة يعيشون عمراً أطول ويتمتعون بصحة أفضل من الأشخاص ذوي السلوك السلبي، ذلك أن الأشخاص الذين ينظرون إلى الشيخوخة بطريقة سلبية غالبا ما يصابون بذبحة قلبية أو سكتة دماغية أو يموتون في عمر مبكر قبل أوانهم. والبلاد التي تكون درجة احترام المسنين فيها منخفضة قد يتعرض المسنون فيها إلى خطر الوقوع في صحة جسدية أوعقلية سيئة أو إلى الوقوع في الفقر، وقد بينت الأبحاث أن تغييرا بسيطا في السلوك من شأنه أن يؤدي إلى تحسن كبير في وضع المسنين.
أن نشيخ بطريقة صحية تزداد أهميةً: تتزايد الشيخوخة بمعدل سريع في جميع بلاد العالم ما عدا أفريقيا، فإذا استمرت هذه الظاهرة على هذا النحو سيصبح عدد الأشخاص بحلول عام .2050 الذين يتجاوز عمرهم 65 واحدا لكل ستة أشخاص، وحوالي نصف مليار شخص سيكون أكبر من 80 شخصا
عالم مليء بأشخاص ذوي خبرات
يشكل المسنون اليوم 8.3 % من سكان العالم. في عام 2050 ستصل نسبتهم إلى 15.8 %
“أن تصل إلى عمر الشيخوخة هو إنجاز بحد ذاته” بحسب ماريليا فيانا بيرزينس وهي موظفة اجتماعية برازيلية ومؤيدة لحقوق المسنين. “إنه أكبر إنجاز في مجال الإنسانية في القرن الأخير”.
ومع ذلك ففي العديد من البلدان إن النقاش العام حول هذا التحول السكاني الكبير غالبا ما يركز على التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة في مجالي توفير العناية والعناية الصحية. في عالم يعج بالأشخاص المسنين ترى الآراء السلبية اتجاه الشيخوخة شائعة بشكل مفاجئ.
من خلال دراسة تحليلية قامت بها منظمة صحية عالمية في 57 بلدان اتضح أن 60 بالمئة من المشاركين في المسح يظهرون مستويات احترام منخفضة اتجاه المسنين، فهم ينظرون إلى المسنين على أنهم أقل كفاءة وقدرة من الشباب. وعوضا عن إظهار التقدير لمعرفة المسنين الواسعة وحكمتهم وخبرتهم يُعتَبر المسنون عبئا على المجتمع وعلى أسرهم.
ما الذي يجعل العائلة البرازيلية الكبيرة تقدّر الأشخاص المسنين؟
ألانا أوفيسر مستشارة صحة أولى في منظمة الصحة العالمية في قسم الشيخوخة ومسار الحياة تقول إن التمييز العمري أكثر انتشارا من التمييز العنصري والتمييز الجنسي في جميع أنحاء العالم. وهذا السلوك ضد المسنين ممن تتجاوز أعمارهم 65 سنة قد يؤدي إلى تمييز ضدهم في الحصول على عمل او على سكن وبالتالي فقد يخسر هؤلاء المسنون دخلهم او قد يعانون من العزلة.
لقد جمعت أورب ميديا بيانات من قبل 150000 شخص من 101 بلد من أجل أن تفهم مستويات احترامهم للمسنين. وتظهر البيانات أن مستوى الاحترام يختلف بشكل كبير من بلد إلى بلد حيث كانت باكستان من بين البلدان التي سجلت أعلى المعدلات.
“البلاد التي تتمتع بمستويات احترام عليا تجاه المسنين تكون معدلات الفقر النسبي بين الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 50 سنة فيها أخفض.”
فائزة مشتاق وهي مساعدة بروفيسور في علم الاجتماع في معهد إدارة الأعمال في مدينة كراتشي في الباكستان تقول إن احترام المسنين هو من التقاليد القديمة في باكستان، كما أن العناية بالمسنين في العائلة هو أمر اعتيادي، فأفراد الأسرة يعتبرون المسنين كبار العائلة وغالبا ما يكونون هم من يتخذ القرارات في العائلة حتى لو كانوا في مراحل متقدمة في الشيخوخة. إلا أن هجرة الشباب المتزايدة من الأرياف إلى المدن سببت باضطراب هيكل العائلة التقليدي مما أدى إلى ازدياد صعوبة العناية بالمسنين في العائلات. لذلك من دون دعم الحكومة وتقديمها للأمان سيقع العديد من المسنين في فقر شديد.
وبحسب الأستاذة مشتاق: إن الطريقة التي يُنظَر بها إلى المسنين في باكستان لها فوائد ملموسة، فبدلا من الاعتقاد بأن مفاهيم السعادة والجاذبية والقيمة الذاتية مرتبطة ارتباطا وثيقا بمفهوم الشباب، يشكل هذا السلوك اتجاه الشيخوخة في الباكستان احتضانا أكثر صحة لمرحلة الشيخوخة.”
وفي طليعة هذا التحول الديموغرافي العالمي تأتي اليابان التي تتمتع بأطول معدل للأعمار ومعدلات مواليد منخفضة. وقد وجدت أورب أن مستويات الاحترام تجاه المسنين في اليابان منخفضة. وبحسب قول الدكتور كوزو إيشيتوبي البالغ 82 سنة والذي مازال يعمل كطبيب في دار رعاية إن المسنين لطالما اعتبروا عبئا في اليابان. “لقد بدأ اليابانيون الآن بإدراك أن المسنين يحتاجون إلى دعم. كلنا نمر بنفس هذه الحالة، يجب علينا ان ندعم بعضنا البعض”.
مع العلم أن معظم الناس يتقاعدون قبل أن بلوغ الثمانين بوقت طويل إلا أن الدكتور إيشيتوبي كرس سنواته المؤخرة لمساعدة المسنين الآخرين. “لا نستطيع أن نتظاهر بأننا شباب إلى الأبد، في يوم من الأيام كنت شابا وسيما ولكن التجاعيد تتزايد في وجهي” قال أيشيتوبي ضاحكا.
لقد تبين أن لاحترام الشيخوخة ولمظاهر السلوك الأخرى اتجاه الشيخوخة تبعات كبيرة علينا كأفراد. في كلية الصحة العامة في جامعة ييل في الولايات المتحدة افتُتِنت أستاذة علم الوبائيات بيكا ليفي بقوة تأثير صور العمر النمطية. ليفي الباحثة الرائدة في مجال الصحة العامة بدأت بحثها في التسعينات بخاطرة وهي أنه إذا احتُرِمَ المسنون من قبل مجتمعهم ربما قد يحسن ذلك صورتهم الذاتية، تقول ليفي: “في الواقع قد يؤثر هذا على أجسادهم وقد يؤثر على صحتهم”.
توصلت ليفي والباحثون العاملون في هذا المجال من خلال أبحاثهم الجارية منذ عقدين ونصف إلى استنتاج وهو: أن الأشخاص الذين يتمتعون بنظرة إيجابية اتجاه الشيخوخة يعيشون لعمر أطول ويشيخون بشكل أفضل، ذلك أن احتمال إصابتهم بالاكتئاب والحصر النفسي أقل، كما أنهم يتمتعون بسعادة أكبر ويتعافون من أية أمراض أو مشاكل صحية بشكل أسرع. إضافة إلى ذلك هناك احتمال أقل بإصابتهم بعته الشيخوخة وأعراض الزهايمر وهي حالات مرضية مهلكة ستنتشر بشكل أكبر فقط عندما يطول عمر الناس في عدد أكبر من البلاد.
إن النظرة الإيجابية للشيخوخة من شأنها المساهمة في إطالة العمر
لقد وجدت ليفي في إحدى الدراسات أن الأمريكيين الذين تم تعقبهم على مر العقود ممن يتبنون نظرة إيجابية اتجاه الشيخوخة يعيشون 7.5 سنة أطول من الأشخاص ذوي النظرة السلبية اتجاه الشيخوخة. وقد أظهرت الدراسات التي أجريت في كل من ألمانيا والنمسا نتائج مشابهة، وتقول ليفي إن “حجم بعض نتائج كانت مثير للدهشة”.
إن أثر صورة العمر النمطية متأصلة بشكل واضح حتى في بيولوجية الإنسان. فقد أظهرت دراسة مؤخرة أن خلايا الأشخاص ذوي النظرة الإيجابية اتجاه المسنين فعلا تشيخ ببطء أكثر من خلايا أولئك ذوي النظرة السلبية.
لقد بينت أبحاث أورب وتحليلها بأن هذه الآثار واضحة في جميع الثقافات. وبحسب بيانات جمعت من قبل المنظمة الدولية للتعاون الاقتصادي والتنمية OECD، ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمات أخرى تبين أن البلاد التي تكون فيها مستويات احترام الشيخوخة عالية يتمتع المسنون فيها بصحة جسدية وعقلية أفضل مقارنة مع أشخاص آخرين في بلادهم. إضافة إلى ذلك تتمتع هذه البلاد بمعدلات منخفضة من الفقر ما بين الأشخاص ممن تجاوزت أعمارهم 50 سنة مقارنة مع الأشخاص الأصغر عمرا في كل بلد.
يبدو الموضوع غاية في السهولة: كيف يمكن للنظرة الإيجابية اتجاه الشيخوخة أن تساعد شخصا ما في العيش لمدة أطول؟ وجدت ليفي أن الأشخاص ذوي النظرة السلبية اتجاه الشيخوخة يعانون من مستويات عالية من الضغط والضغط يترافق مع العديد من الأمراض الصحية. وبحسب ليفي فإن هؤلاء الأشخاص الذين يتوقعون حياة أفضل في عمر الشيخوخة غالبا ما يكونون هم نفس الأشخاص الذين يقومون بالتمارين الرياضية ويأكلون بطريقة متوازنة ويزورون الطبيب.
وهكذا هو حال مارتا نازاريه بالباين براتيس البالغة من العمر 57 سنة والتي اخذت أسرتها قبل عقد وانتقلت للعيش في بيت أهلها في مدينة ساوباولو في البرازيل. لقد اضطرت لترك عملها كاختصاصية غذائية في مستشفى لتتمكن من العناية بأمها وأبيها الذي توفي في بداية السنة. كان الوضع بالنسبة لها صعبا من الناحية المادية والعاطفية، ومع ذلك فهي تقول إن هذه التجربة جعلتها تفكر بالحياة التي تتمناها لنفسها عندما تصبح في عمر الشيخوخة. “أحاول أن أراقب طعامي، وأقوم بالتمارين بأكبر قدر ممكن، حتى أكون بصحة جسدية جيدة عندما أصل إلى عمر الشيخوخة”.
بيرزينز عاملة اجتماعية أسست مرصد طول العمر البشري والشيخوخة، وهو مرصد يدرب عاملي العناية ومساندي الشيخوخة. تقول بيرزينز: “يجب أن نكون ممتنين بأننا ننتبه إلى موضوع الشيخوخة والتقدم في السن”، إلا أن عمر الشيخوخة في البرازيل أصبح مرتبطا بمفهوم العجز. وتقول بيرزينز “فقط عندما نغير هذه العقلية وننظر إلى الشيخوخة على أنها مرحلة عادية في الحياة نستطيع حينئذ أن نتقدم إلى الأمام، وعندها سيتم التعامل مع الشيخوخة باحترام أكبر.”
إن تغيير الصور النمطية ليس بالأمر اليسير. كورينا لوكينهوف الأستاذة المشاركة في علم الشيخوخة في الطب في كلية وايل كورنيل الطبية التي درست صور العمر النمطية في العديد من الثقافات تقول إن الأشخاص يبنون أفكارهم ومفهومهم للشيخوخة عندما يكونون أطفالا، إلا أن هذه المفاهيم تتغير بناء على التجارب التي يمر الأشخاص بها. ولكن مع الأسف غالبا ما تبنى المعتقدات السلبية على أسس انطباعات غير دقيقة.
“غالبا ما يخلط الناس بين الشيخوخة والاحتضار.”
تقول لوكينهوف: عندما يتقدم الأشخاص في العمر عادة ما تبقى حالتهم الصحية مستقرة حتى يصلوا إلى خمس سنوات قبل موتهم، فقط حينها يشعر هؤلاء الأشخاص بتدهور حالتهم الصحية والجسدية الناتجة عن تقدمهم في العمر. “كثيرا ما يخلط الأشخاص بين الشيخوخة والاحتضار.”
وتظهر بعض الأبحاث أن التواصل المتزايد بين الأجيال الشابة والأجيال المتقدمة في العمر من شأنه أن يغير الصور النمطية السلبية. سامينة فيرتيجي البالغة 50 سنة تعمل مساعدة أستاذ في جامعة آغا خان في كلية التمريض والقبالة في مدينة كراتشي في الباكستان وتسكن مع أمها شيربانو فيرتيجي البالغة 86 سنة ومع أخيها وزوجته وطفليهما. تقول سامينة “إن أمي هي الكل في الكل في العائلة، وبحسب ثقافتنا وديننا والنظام الأسري القوي تحتل أمي مكانة مهمة في العائلة.”
وتقوم مهرونيسا إقبال فيرتيجي وهي زوجة أخ فيرتيجي بالعناية بشيربانو معظم الوقت، فبالنسبة لها هذا شيء مهم، فهكذا يرى أطفالها كيف يجب أن يكون التعامل مع المسنين. مع العلم أن شيربانو لا تستطيع الحركة بشكل كامل إلا أنها تقدر جدا العناية التي تتلقاها وتقول “تعمل أسرتي بقدر استطاعتها على توفير الراحة والسعادة لي، وهذا هو مصدر سعادتي في سنوات شيخوختي.”
إن تجربة العيش في بيت يتضمن أجيال من أعمار متعددة بالإضافة إلى النضوج في ثقافة تحترم الشيخوخة جعلت فيرتيجي تفكر بالشيخوخة بطريقة إيجابية جدا، وتقول “إن الشيخوخة ليست مسألة تدعو إلى الخوف ولكنها مرحلة يجب أن نعتز بها، سأتمتع بحياتي حتى أثناء سنوات شيخوختي.”
أضداد الشيخوخة: باكستان تحترم المسنين أكثر من اليابان
ولكن ماذا يحل بالأشخاص الذين يقيمون في بلاد لا يتلقى المسنون فيها الاحترام؟ تقول ليفي الرائدة في مجال البحث في صور العمر النمطية إنه بالرغم من التعليمات الثقافية فإن الناس يبنون أفكارهم فيما يتعلق بالشيخوخة بشكل مستقل. كما أن الأشخاص الذين لا يقضون وقتا طويلا في مشاهدة التلفاز أو في وسائل التواصل الاجتماعي وأولئك الذين يتمتعون بشخصيات قوية فإن احتمال تمتعهم بنظرة إيجابية اتجاه الشيخوخة يكون احتمالا أكبر
كذلك كانت الحال بالنسبة للطبيب إيشيتوبي في اليابان. فعلى مرور الثلاث عشرة سنوات الأخيرة رفض إيشيتوبي المعايير الطبية التي تملي طريقة التعامل مع الأشخاص المحتضرين. وبدلا من ذلك عمل على إيجاد طريقة أفضل للعناية بهم. وقد اعتاد الآن على تحدي طرق التفكير المتعارف عليها، وموضوع الشيخوخة لا يختلف. فقد استطاع أن يجد السعادة والمعنى الحقيقي للحياة في سنوات عمره المؤخرة وذلك في بلد تنتشر فيه النظرة السلبية اتجاه الشيخوخة.
ويقول إيشيتوبي: “عندما يتقدم بك العمر وتشيخ تركز بشكل أكبر على الطرق التي تجعل منك أكثر فائدة وقيمة للمجتمع. هذا ما يجعلنا من بني البشر. ليس من العيب أن نشيخ، يجب أن نستمتع بالشيخوخة. إن تغييرا بسيطا في العقلية سيؤدي إلى فرق كبير””