القتال الأعمى

النضال من أجل إنهاء أنابيب الإرهاب

جيم ريندون، صحفي، بريد إلكتروني


 

في وقت مبكر من صباح يوم السبت الأخير داخل مطعم مزدحم على الطريق في مدينة سولو (Solo) بإقليم جاوة الوسطى (Central Java) في إندونيسيا، قام جوكو تري هارمانتو (Joko Tri Harmanto) بنشل شرائح الخبز المحمص من الزيت الساخن بمقلاة محترقة سوداء. وإلى جانبه، قام صديقه بسكب أكواب من المرق على أطباق الأرز لصنع شوربة تسمى سوتو. وقف الزبائن عند بوابة المطبخ لطلب الطعام، بينما يعمل الصديقان لمواكبة ذروة الإفطار.

يعيش هارمانتو Harmanto بالقرب من صديقه واسيران Wasiran، حيث يفصلهم فقط بضعة منازل، ولكنهم أيضا ليسوا مجرد أصدقاء أو شركاء أعمال، فقد افتتح هارمانتو Harmanto هذا المطعم مع واسيران Wasiran لاشتراكهم باهتمام قوي وهو إمكانية انضمام واسيران Wasiranإلى جماعة إرهابية. يقول هارمانتو Harmanto "إنه قليل الحظ من الناحية الاقتصادية ، لذلك أنا أمسك به حتى لا ينضم إلى جماعات العنف".

يقول هارمانتو Harmanto أنه كان يعلم أن واسيران Wasiran كان في خطر، بنفس الطريقة التي يستطيع مدرب كرة القدم من خلالها اكتشاف لاعب واعد - ويقصد هنا تجربته، حيث كان هارمانتوHarmanto بحد ذاته إرهابي سابق، ويداه ملوثة بدماء المئات. فقد ساعد هارمانتو Harmanto في بناء سيارة مفخخة ضخمة، حيث قامت الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة - الجماعة الإسلامية – بتفجيرها في بالي عام 2002، وقد تم مقتل 202 شخصًا في هذا الانفجار، وأصيب مئات آخرون، وتدهور اقتصاد السياحة في بالي لسنوات.

وهو يحاول الآن منع الآخرين من اتباع طريقه نحو العنف - بدءًا من صديقه.

عنوان الصورة: شارك جوكو تري هارمانتو Joko Tri Harmanto في صنع القنبلة التي أودت بحياة 202 شخص في بالي عام 2002. ومنذ ذلك الحين، أصبح يرفض العنف باستثناء الدفاع عن النفس. وهو يساعد اليوم على ردع الآخرين بمن فيهم جاره واسيران Wasiran من الانضمام إلى جماعات العنف. اعتماد الصورة: أندريس فينجارد (Andreas Vingaard) لأورب ميديا (Orb Media)

عنوان الصورة: شارك جوكو تري هارمانتو Joko Tri Harmanto في صنع القنبلة التي أودت بحياة 202 شخص في بالي عام 2002. ومنذ ذلك الحين، أصبح يرفض العنف باستثناء الدفاع عن النفس. وهو يساعد اليوم على ردع الآخرين بمن فيهم جاره واسيران Wasiran من الانضمام إلى جماعات العنف.
اعتماد الصورة: أندريس فينجارد (Andreas Vingaard) لأورب ميديا (Orb Media)

واسيران Wasiran ليس متطرفًا. يوضح تقرير أورب للإعلام Orb Media وتحليل البيانات المتعلقة به أن الإرهاب ينتشر إلى المزيد من الدول، وأن قبول العنف ضد المدنيين يتزايد في كل مناطق العالم تقريبًا. فعلى الرغم من تريليونات الدولارات التي تم إنفاقها لمحاربة الإرهاب منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، فإن المزيد من الدول تعاني من الإرهاب أكثر من أي وقتٍ مضى.(1)

وفي الوقت ذاته ، كانت الجهود المبذولة لمنع تجنيد الإرهابيين بطيئة في التحقيق وتم حصرها محلياً، ونادراً ما تستند إلى أفضل البحوث كما وتفتقر إلى التقييم الدقيق.(2,3,4) فعلى الرغم من التركيز العالمي على حماية المواطنين من الهجمات العنيفة، وقتل وإلقاء القبض على الإرهابيين، فقد أولت الحكومات القليل من الاهتمام لأنابيب وتدفق أولئك الذين ينضمون إلى صفوف الإرهابيين.

يقول إريك روزاند (Eric Rosand) - أحد كبار الباحثين بمؤسسة بروكينغز في واشنطن العاصمة، وهو يدير مشروع الوقاية - التنظيم ضد التطرف العنيف: "إننا لا نفعل ما يكفي من أجل الوقاية". "نقوم بفعل المزيد من الشيء نفسه بالطريقة ذاتها مع المزيد من ذلك."

وفي الحقيقة، هناك اتفاق بسيط حول كيفية منع الناس من التجنيد مع الجماعات الإرهابية. لدى الأكاديميون الفهم الأساسي حول أسباب انضمام الناس لهؤلاء الجماعات، ولكن الأبحاث محدودة وليست ممولة بشكل جيد، وهناك القليل من الأدلة التي تشير إلى الأساليب التي تعمل بشكل أفضل.

ويتبع هارمانتو Harmanto نهجه الشخصي المتعمق للوقاية بناءً على خبرته وعقيدته التي تربطه بالطلاب والجماعات الدينية، وقد عمل على التأثير على صديقه واسيران Wasiran لإبعاده عن الجماعات الإرهابية. يقول واسيران Wasiran: "اعتدت أن أكون فوضوي، كما كنت جاهلاً، ولم أكن أهتم بالآخرين"، حيث أنه كان مدركًا بكونه الهدف الرئيسي للتجنيد في سولو، وهي مدينة لها تاريخ من التطرف العنيف. ويضيف "بعد أن تعلمت من هارمانتو Harmanto، أشكر الله أني أصبحت أستطيع التحكم في مشاعري".

ويحتفظ واسيران أيضا مثل صديقه هارمانتو Harmanto بنظرة متشددة للإسلام، ويعتقد أن دينه يتعرض للهجوم في إندونيسيا - أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم. ومع ذلك، هو يعتقد الآن أنه ينبغي استخدام العنف في الدفاع عن النفس فقط. يقول واسيران Wasiran "بعد أن قابلت هارمانتو Harmanto، تعلمت الكثير حول الدين، وكيف أعيش في المجتمع".

Terrorism_FactBox5_ARABIC.jpg

لكن هذه الفكرة بأن الفرد يستطيع أن يحد من اندفاعه تجاه العنف تاركًا الأيدولوجيات المتطرفة بدون تغيير، هي فكرة مثيرة للجدل. وهذا في الحقيقة عكس النهج الذي اتخذته البرامج في ألمانيا والتي يعود تاريخها إلى ثمانينات القرن الماضي.

تقول كلوديا دانتسهياكي، مديرة مشروع في المؤسسة الألمانية حياة في برلين، والتي تعمل مع عائلات الشباب الذين يتحولون إلى التطرف: "إن التطرف اليميني غير العنيف أيضا، هو أمر مثير للقلق بالنسبة لنا". فبسبب الأيديولوجية النازية السابقة في البلاد والتي أدت إلى الإبادة الجماعية والحرب العالمية، لم يتم التسامح مع الأيديولوجية المتطرفة في ألمانيا.

قول دانتسهياكي: "إن الأيديولوجية تبرر استخدام العنف". "إنها تخبرك بمن هو مسموح لك بقتله ومتى يُسمح لك بقتله. الأيديولوجية هي أساس العنف ".

وقد تعمل هذه الأساليب والنهوج المتعارضة بشكل جيد في بلادها. أو أنه من غير المجدي تغيير الأيديولوجية، كما يقول البعض في إندونيسيا، أو أن ترك الأيديولوجية بمفردها يسمح ببساطة للناس بالعودة إلى العنف. لا أحد يعرف على وجه اليقين السبب، حيث أن تجربة البلدان المختلفة بأساليب مختلفة، وبالتالي هناك القليل من البيانات المتاحة حول النتائج.

يقول جي دي مادوس JD Maddox: "لن تكون قادراً على إصدار أحكام نهائية بشأن البرامج التي تجدي نفعًا"، وهو أستاذ مساعد في الدراسات الأمنية الوطنية في جامعة جورج ميسون ومسؤول سابق في مكافحة الإرهاب في العديد من الوكالات الحكومية الأمريكية. ويرجع قوله ذلك بشكل جزئي إلى أن الأولويات السياسية تتغير بمرور الوقت، مما يؤدي إلى نقص البيانات أو عدم وضوح الاستراتيجيات، وقد لا تؤدي الجهود المبذولة للحد من التجنيد الإرهابي في جميع أنحاء العالم إلى برامج فعالة على نطاق واسع. كما يضيف: "هذه ستكون مشكلة لفترة طويلة قادمة".

تعمل كلوديا دانتسهياكي Dantscke بمؤسسة حياة في ألمانيا، حيث تقدم الاستشارات والارشادات اللازمة لعائلات الشباب المعرضين لخطر التطرف. وتقول إنه يجب علينا تغيير الأيديولوجية، والتي تعتبر أصل العنف المتطرف. كريستوف كيوبChristoph Kube لأورب ميديا Orb Media

تعمل كلوديا دانتسهياكي Dantscke بمؤسسة حياة في ألمانيا، حيث تقدم الاستشارات والارشادات اللازمة لعائلات الشباب المعرضين لخطر التطرف. وتقول إنه يجب علينا تغيير الأيديولوجية، والتي تعتبر أصل العنف المتطرف. كريستوف كيوب

Christoph Kube لأورب ميديا Orb Media

إن فكرة أن تصبح إرهابيًا بالنسبة لمعظم الناس لا يمكن تصورها، كما أن اعتبار أنه من المقبول قتل الآخرين لهدف سياسي أو ديني هو أمر غير قانوني وغير أخلاقي، ويكسر العديد من المحرمات الثقافية والدينية. ومع ذلك، فإن قبول الفكرة يتزايد في جميع أنحاء العالم بين نسبة صغيرة من الناس، تمامًا مثلما ينتشر الإرهاب بقدر أكبر.

عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب، تجد أن الحكومات قد أنفقت الأموال على جميع الأمور المتعلقة بهذا الشأن تقريبًا باستثناء منع الناس من الانضمام إلى هذه الجماعات في المقام الأول. وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا من مركز ستيمسون Stimson - منظمة أبحاث غير حزبية، فقد أنفقت حكومة الولايات المتحدة وحدها 2.8 تريليون دولار لمكافحة الإرهاب بين عامي 2002 و(5) 2016، ومنهم تم إنفاق 11 مليار دولار فقط - أي أقل من نصف واحد بالمائة من الإجمالي - على المساعدات الأجنبية على التدابير الرامية لمكافحة الإرهاب خارج مناطق القتال. ويشمل ذلك كل شيء من مكافحة الرسائل الإرهابية إلى تدريب الشرطة وتقديم الدعم المالي لشراء الأسلحة؛ وهذا يعني أنه تم إنفاق نسبة صغيرة فقط من تلك الأموال على برامج الوقاية.
قول روساند Rosand : هذه مشكلة، إن تنظيم الدولة الإسلامية - داعش ISIS قد جند أشخاصًا من أكثر من 100 دولة، كما أن عدد البلدان التي تشهد هجمات إرهابية آخذ في الارتفاع منذ عام 2004 وفقًا لتحليل أورب Orb لقاعدة بيانات الإرهاب العالمي، وهو أكثر المقاييس استخدامًا للأنشطة الإرهابية. وحيث أن الهجمات الإرهابية نادرة ويمكن أن تتغير من سنة إلى أخرى، استخدم أورب Orb متوسط متغير – وهو متوسط عدد الدول التي تعرضت لهجمات في السنوات الخمس السابقة لكل عام بين عامي 2000 و2017. وأظهرت النتائج أن أكثر من 100 دولة قد تعرضوا لهجمات في عامي 2016 و2017، وهذا أكثر من أي عام في هذا القرن.(6)

ويضيف روساند Rosand حول النهج العسكري الذي اتبعته الحكومات: "لا يوجد دليل على أن أيًا من ذلك يقلل من خطر الإرهاب على المدى الطويل". ويقول: في الواقع، إن ضربات الطائرات بدون طيار والاستخدامات الأخرى للقوات المسلحة من الممكن أن تجعل السكان متطرفين، مما يؤدي إلى المزيد من التجنيد الإرهابي. "فالمزيد من البلدان تتأثر بالإرهاب أكثر من أي وقت مضى."

illustration-1-AR_0.jpg

تشير تحليلات أورب للإعلام حول بيانات الاقتراع من 64 دولة إلى أن عددًا متزايدًا من الأشخاص في جميع مناطق العالم تقريبًا يجدون أنه من المقبول تمامًا بالنسبة للجماعات غير الحكومية استخدام العنف تجاه المدنيين. وكان في السابق قد تم استخدام هذا السؤال في البحث الأكاديمي لتحليل التأييد والدعم للعنف المتطرف. فأظهرت النتائج تضاعف القبول في شرق آسيا والمحيط الهادي، حيث قفز من 2٪ إلى 4٪ في السنوات بين الفترتين اللتين تم قياسهم بواسطة الباحثون: 2002-2009 و2012-2018. ففي الشرق الأوسط، قفز الدعم من 5% إلى 9%. وشهدت بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ذات الدخل المرتفع (34 بلدًا معظمها من أوروبا) ارتفاعًا للدعم من 2% إلى 3%. وكان لبلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أعلى نسبة قبول للإرهاب: فهناك، تزايد الدعم من 12% إلى 14%.

في حين يقول الخبراء أنه لا يمكن للمرء أن يرسم خطًا مباشرًا بين هذه الاتجاهات والمواقف وتجنيد الإرهابيين؛ كلارك مكولي Clark McCauley، الأستاذ الفخري لعلم النفس في كلية برين ماور والذي درس الإرهاب لعقود يقول: إن بعض الأشخاص الذين يشعرون بهذه الطريقة قد يكونون أكثر انفتاحًا إزاء الجماعات الإرهابية. كما يقول "نعم، إن هذا من المنطقي إذا كان الناس منفتحين على العنف السياسي".

على الصعيد العالمي، لا يوجد تعريف متفق عليه للإرهاب، ويمكن استخدام التسمية إما لوصف جماعة بدقة أو لتطهير وتهميش المعارضين الشرعيين. في هذا المقال، تستخدم أورب للإعلام Orb Media تعريف الإرهاب الذي أنشأه الاتحاد القومي لدراسة الإرهاب والاستجابة للإرهاب (START)، وهي مجموعة من الباحثين الأكاديميين والخبراء المستقلين الذين يحتفظون بقاعدة بيانات للإرهاب العالمي. إنه التهديد أو الاستخدام الفعلي للقوة الغير القانونية والعنف من قبل جهة غير تابعة للدولة لتحقيق هدف سياسي أو اقتصادي أو ديني أو اجتماعي من خلال الخوف أو الإكراه أو الترهيب.(7)

illustration-3-AR_0.jpg

كما يقول جون هورغان John Horgan - أستاذ في معهد الدراسات العالمية وقسم علم النفس بجامعة ولاية جورجيا: وبهذا التعريف، تم استخدام الإرهاب من قبل الجماعات مع استخدام كل الأيديولوجيات والديانات لأكثر من قرن من الزمان.

وكان كل من الجيش الجمهوري الإيرلندي الذي سعى لإعادة توحيد إيرلندا الشمالية مع ايرلندا، ومنظمة إيتا ETA - جماعة باسك الانفصالية في إسبانيا، قد أرعبوا أوروبا لمدة أجيال. وقد تم فعل الشيء نفسه في أمريكا الجنوبية من قبل كل من جماعة FARC - القوات المسلحة الثورية لكولومبيا، والمتمرد الماركسي-اللينيني في كولومبيا، والطريق الماوي المشرق في البيرو. كما اعتبرت الولايات المتحدة حزب التحالف المناهض للفصل العنصري في جنوب أفريقيا جماعة إرهابية حتى عام 2008، على الرغم من أن زعيمها -نيلسون مانديلا - أصبح رئيسًا لجنوب إفريقيا عام 1994. وقد تم ارتكاب حوالي 35٪ من جميع الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة بين عامي 2010 و2016 من قبل الجماعات اليمينية، وذلك وفقًا لمركز ستارت (START. (8 وقد جذب مقتل 11 شخصًا في كنيس في بيتسبرغ في أكتوبر من هذا العام مزيدًا من الاهتمام بالمشكلة المتزايدة للإرهاب اليميني المتطرف؛ لكن في الولايات المتحدة تحديدًا، لا يُحاكم الهجوم على المدنيين لأسباب أيديولوجية بشكل عام كإرهاب، إلا إذا تم ارتكابه من قبل أولئك المرتبطين بجماعة إرهابية أجنبية. فعلى سبيل المثال، لم يتهم الأمريكي تيموثي ماكفي Timothy McVeigh بالإرهاب بعد قتله 168 شخصًا، حيث قام بقصف مبنى فيدراليًا عام 1995.(9) ومن ناحية أخرى، قامت إدارة ترامب بتقليص التمويل لبرامج الوقاية التي تستهدف الجماعات اليمينية المحلية.(10,11,12,13)

يقول جاري لافري Gary LaFree - المدير السابق لـستارت START في جامعة ميريلاند، إن الإرهاب يتحرك حول العالم في موجات مع مرور الوقت. كما يتسائل: "ما الذي يجعل العنف السياسي أكثر شيوعًا في بعض الفترات من غيره؟”. ويضيف "لا نعرف الكثير حول أي من السياسات الحكومية المعمول بها".

في فترة ما بعد الظهر المشرقة، صعد ديفيد أوفسيس David Aufsess في سيارة فولكسفاغن صغيرة في حي غروبلننغن، وهو أخصائي اجتماعي يعمل مع منظمة VAJA، وهي منظمة للوقاية في بريمن بألمانيا. نزل أوفسيس إلى شارع واسع تصطف على جانبيه مطاعم ومحلات تجارية يسمى ليتل إسطنبول Little Istanbul. ومع طول أكثر من ستة أقدام و شعر داكن متموج ولحية ملتوية، قلما يختلط أوفسيس Aufsess بالوسط المحيط – فهو أطول بكثير من أي شخص يلتقي به هنا. فعندما مر ببسطة الخضار، انحنى لينظر من النافذة ولوح لشاب؛ وقال: "هناك الكثير من الشباب في الشوارع هنا".

ويعمل ديفيد أوفسيس كأخصائي اجتماعي في الشارع مع منظمة الوقاية VAJA في بريمن بألمانيا، حيث يقابل الشباب في المجتمعات التي يقيمون فيها ويطورون علاقات مع بعضهم بمرور الوقت، لمساعدتهم على إيجاد بدائل لأيدولوجية وجماعات العنف المتطرف. كريستوف كيوب Christoph Kube لأورب ميديا Orb Media

ويعمل ديفيد أوفسيس كأخصائي اجتماعي في الشارع مع منظمة الوقاية VAJA في بريمن بألمانيا، حيث يقابل الشباب في المجتمعات التي يقيمون فيها ويطورون علاقات مع بعضهم بمرور الوقت، لمساعدتهم على إيجاد بدائل لأيدولوجية وجماعات العنف المتطرف.
كريستوف كيوب Christoph Kube لأورب ميديا Orb Media

يقضي أوفسيس الأخصائي الاجتماعي في الشارع الكثير من الوقت في مقابلة هؤلاء الشباب حيث يتسكعون، ويتعرفون على مخاوفهم، ويكتسبون ثقتهم والتواصل مع الآخرين؛ وهو يساعد في مدرسة قريبة، حيث قام الطلاب المسلمون السلفيون بترهيب زملائهم في الصف قبل أربع سنوات..

بدأت VAJA العمل مع النازيين الجدد في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، والتي تُعتبر نفس الفترة التي طور فيه البرنامج نهج العمل الاجتماعي في الشارع كطريقة لبناء الثقة مع مرور الوقت مع النازيين الجدد. كما يقول أوفسيس: "إذا كنت قد عرفت شخصًا لمدة عامين، يمكنك مناقشة سبب اعتقاد أحدهم أن اليهود أو الأجانب هم من النفايات".

يقول أوفسيس يمكن للشباب على وجه الخصوص تغيير أيديولوجيتهم، لأنهم ما زالوا يشكلون أفكارهم. ويضيف إنهم غالبًا ما يجربون الإيديولوجيات بتحدي آبائهم أو معلميهم. ولكن إذا طور أوفسيس علاقة مع الشخص، يمكنه إشراكه في أفكاره وتشجيعه على التفكير الناقد.

قبل عدة سنوات تم إغلاق مسجد في بريمن بعد أن غادر عدد قليل من الأعضاء للقتال في سوريا. بعد ذلك سرعان ما بدأ شباب هذا المسجد بسؤال الأئمة في مكان آخر حول الجهاد، كما تقول إسراء باشا Esra Basha، مدير مشروع في مؤسسة الاعتدال Al-Etidal، وهو مشروع لـ "شورى بريمن"، وهي منظمة إسلامية تعمل مع المساجد في جميع أنحاء المدينة. تعمل هذه المنظمة على تثقيف الشباب حول الدين لجعلهم أقل عرضة للتجنيد الإرهابي. كما تقول: "السؤال ليس ما هو الجهاد، ولكن لماذا تسأل ذلك؟ ولماذا هو مهم جدا بالنسبة لك؟ ". وتضيف "نحن نعمل ضد الأيديولوجية، وهو قابل للتعديل للغاية."

قوتز نوردبروش Götz Nordbruch، الشريك المؤسس لشركة UFUQ.de ومقرها برلين، والتي تنظم مجموعات نقاش في المدارس يقول: بعض الجماعات تذهب لأبعد من ذلك، فيجب تغيير أي أيدولوجية تنكر التعددية والتسامح. كما يقول: "الخطوط الحمراء هي المواضع التي تركز على التقليل من قيمة الآخرين، وكذلك المواضع التي تعارض التعددية". تُعتبر الأيديولوجية في ألمانيا هي أصل المشكلة.

أولئك الذين يقومون بهذا العمل في إندونيسيا يرون الأمر بشكل مختلف. فالإرهابيون السابقون هناك مثل هارمانتو ليسوا أقل تطرفًا مما كانوا عليه في السابق، هم فقط قد نبذوا عنف الهجوم الأول.

كان تغيير هارمانتو Harmanto شخصيًا جدًا، فقد كان هاربًا لمدة عامين قبل أن يتم القبض عليه. اقتادته الشرطة إلى منزل والديه، حيث شاهدهم أثناء تفتيشهم للمنزل؛ وقد وجدوا في الداخل المئات من الرصاص. يقول "من داخل السيارة رأيت أمي تبكي". ويضيف "في حينها فكرت، أنه يجب أن أتغير". تم إدانة هارمانتو بإيواء العقل المدبر لتفجير بالي والقيادي في صنع القنابل، وتم الحكم عليه مدة ست سنوات قضى منهم فقط أربع سنوات في السجن.

وتعمل إسراء باشا Esra Basha وزملاؤها في مؤسسة الاعتدال مع المساجد والشباب في بريمن بألمانيا لتوفير أساس ديني للمساعدة في منع التجنيد للجماعات الإرهابية وردع الشباب عن الأيديولوجية المتطرفة. كريستوف كيوب لأورب ميديا

وتعمل إسراء باشا Esra Basha وزملاؤها في مؤسسة الاعتدال مع المساجد والشباب في بريمن بألمانيا لتوفير أساس ديني للمساعدة في منع التجنيد للجماعات الإرهابية وردع الشباب عن الأيديولوجية المتطرفة.
كريستوف كيوب لأورب ميديا

وقد تغير بشكل بطيء، كما يقول ثايب مالك Thayep Malik الذي يدير مطعمًا آخرًا ويوظف فيه إرهابيين سابقين عند خروجهم من السجن لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع. ويعتبر المطعم جزءً من معهد بناء السلام الدولي، وهو منظمة إندونيسية غير ربحية. يقول مالك: "كان هناك الكثير من التحولات معه، خاصة في استعداده لبناء علاقات مع الآخرين".

مع ذلك، يقول مالك الذي عمل لسنوات مع هارمانتو وغيره من الإرهابيين السابقين، إنه من غير المرجح أن يستمعوا إلى شخص غريب أو أجنبي يقول لهم أن أيديولوجيتهم خاطئة. يقول مالك: "لا يوجد نقطة مشتركة بيننا حول الأيديولوجية ". "لكن يمكن أن نتفق على فكرة رفض العنف".

وتم نبذ العنف أيضا من قبل عضو سابق آخر في الجماعة الإسلامية، وهو عارف بودي سيتياوان Arif Budi Setiawan، والذي يعيش في منزل ترابي في ريف جاوة الشرقية، حيث نبذ العنف في السجن بعد رؤيته كيف عانى الكثير من الناس حتى أفراد الميليشيات المسيحية إلى جانبه. لكنه مثل هارمانتو Harmanto ، حيث يقول أن معتقداته هي نفسها ولم تتغير. كما يقول "في الشريعة لم أتغير"، مشيراً إلى المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية. ما تغير هو وجهة نظره متى يجب استخدام العنف، وهو التغيير الذي يكتب عنه عبر الإنترنت في محاولة لمنع الآخرين من الانضمام إلى جماعات العنف. كما يقول: "العنف هو فقط للدفاع عن النفس".

قول سيدني جونز، مدير معهد تحليل السياسات في الصراع في جاكرتا بإندونيسيا، إنه من الشائع الاعتقاد بأنه لا ينبغي تغيير الأيديولوجية المتطرفة، خاصة بين المنظمات الإسلامية الكبيرة في البلاد. يقول جونز: "هنا التطرف في الدفاع عن الإيمان جيد". في الواقع، يعتقد العديد من الناس أن هؤلاء الأشخاص مثل هارمانتو كانوا يفعلون الصواب؛ ذهبوا بعيدا جدا.

على الرغم من الاختلافات الحادة بين برامج الوقاية في ألمانيا وإندونيسيا، إلا أن كلاهما يعكسان بعض أحدث الأبحاث حول كيفية ولماذا ينضم الناس للجماعات الإرهابية: قوة العلاقات الاجتماعية.

أثناء جلوس هارمانتو Harmanto على منحدر عبر الشارع من المنزل الذي يشاركه مع زوجته وأطفاله الستة، يوضح أنه تم تجنيده في جماعة دراسة القرآن في المدرسة الثانوية. فقد أصبح هارمانتو Harmanto صديقاً مقرباً مع الأولاد الأكبر سنًا، حيث تم جذبه إلى دائرتهم. ويقول: "لقد تأثرت اتجاهاتي الدينية بأصدقائي".

هذه العملية لا تختلف عمّا يمر به معظم المراهقين أثناء إيجادهم لاهتماماتهم في الحياة، كما يقول هارمانتو Harmanto. ويضيف لو كان أصدقاؤه موسيقيين، لربما أصبح موسيقياً، فهو يتأمل، ويستحضر عالماً بديلاً قام فيه بدق فيه الطبول بدلاً من قتل وتشويه السياح. "كلما تعلقت بهم أكثر كلما أصبحت واحدًا منهم".

هناك عدد لا يحصى من الأسباب المحلية التي تجعل الناس ينجذبون إلى الجماعات الإرهابية. ففي تونس مثلًا، قد غادر كل من الأشخاص المتعلمين ومحدودي التعليم للقتال مع داعش. وفي اليمن، يروج تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لمشاريعه التنموية على تويتر للحصول على تأييد المجتمعات هناك. وتلعب الجماعات اليمينية المتطرفة على حبل الخوف من المهاجرين في ألمانيا. يقول ماغنوس رانستورب - مدير الأبحاث في مركز دراسات التهديد غير المتماثلة في جامعة الدفاع السويدية: في الدول الاسكندنافية، إن المهاجرين من الجيل الثاني والثالث الذين يشعرون بأنهم غير مقبولين في دولهم المضيفة أو ثقافة والديهم هم الأكثر عرضة للخطر.

يقول هورغان في ولاية جورجيا: ولكن من المرجح أن بعض العوامل النفسية الرئيسية تكمن وراء هذه الاختلافات المحلية. كما يقول: "هناك أناس ندعوهم بالإرهابيين من سياقات سياسية وإيديولوجية واجتماعية مختلفة إلى حد كبير". "فبالنسبة لحالتهم النفسية لديهم الكثير من القواسم المشتركة أكثر مما توحي به الاختلافات السطحية".

يشير بحث جديد إلى أن العلاقات مثل الصداقات التي وجهت هارمانتو إلى الجماعة الإسلامية، قد تكون من بين العوامل الأكثر أهمية في تحديد من ينضم إلى هذه الجماعات ويبتعد عنها.(14, 15) فقد أمضى جولي تشيرنوف هوانج - وهو أستاذ مشارك في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في كلية غوتشير في الولايات المتحدة - نصف سنة في إجراء مقابلات مع 55 إرهابيًا حاليين وسابقين في إندونيسيا.

ويعود تاريخ الإرهاب في ذلك البلد إلى الكفاح من أجل الاستقلال في أربعينيات القرن الماضي. وهناك بعض المجتمعات التي تجد فيها من عائلة واحدة أن العم قد قاتل في البوسنة، وقد يكون ابن عمه قد قاتل في أفغانستان، أو ذهب أخوه إلى سوريا.

يقول شيرنوف هوانغ - مؤلف كتاب "لماذا انسحب الإرهابيون: فك الارتباط مع الجهاديين الإندونيسيين" - "يمكن للناس الانضمام إلى جماعة لأن أفضل صديق لهم أو أخيهم الأكبر منضم لها". "إنهم ينضمون لأنهم يحبون شعور الأخوة".

وقد وجد أولئك الذين يعملون على تغيير الأيديولوجية في ألمانيا علاقات اجتماعية مماثلة في جذور التطرف؛ فالعلاقات الاجتماعية في المدرسة، والفرق الرياضية ومن خلال الجماعات الدينية، فجميعها تعتبر مركزية لحياة الشباب. يقول أوفسيس "إذا كان هناك شيء مفقود لدى الشباب، فمن الطبيعي البحث في مكان آخر". "إن الشباب من البشر، فهم دائموا البحث عن التواصل مع الآخرين".

تستخدم الجماعات الإرهابية في ألمانيا العلاقات عبر الإنترنت لتجنيد الفتيات لأن حياتهن الاجتماعية أكثر تقييدًا، حسب قول دانتسهياكي من مؤسسة حياة. فقد يتعاطف أحد المجندين عبر الإنترنت مع صراع الفتاة مع والديها، على سبيل المثال، ويتصرف مثل أخت كبيرة لها، فيتم إستدراج الفتاة ببطء إلى جماعات دردشة أكثر تقييدًا وإيديولوجية.

تستخدم المنظمات في كل من ألمانيا وإندونيسيا أيضًا الشبكات الاجتماعية لردع الأشخاص عن الانضمام لهذه الجماعات. فتستخدم منظمة دانتسهياكي بنية الأسرة للمساعدة في توفير علاقة صلبة للشاب. وتقول: "في بعض الأحيان يكون هناك أخ أو ابن عم أو ربما صديق قديم يرفض إخراجه من هذه الحياة الجديدة". "الأمر يتعلق بإيجاد أشخاص لا يزال بإمكانهم الوصول والتأثير على هذا المراهق".

بالنسبة لواسيران ، فقد أثبتت علاقته مع هارمانتو ، والعمل الذي قام به في المطعم، أن البيئة الاجتماعية قد شكّلت طريقه ونهجه الجديد الأقل عنفاً في رؤية العالم.

كان واسيران معرضًا لخطر التجنيد من قبل جماعة عنيفة في بلدته سولو في وسط جاوا بإندونيسيا. بفضل العمل الذي يقوم به في مطعم مع جاره الإرهابي السابق جوكو تري هارمانتو ، فقد نبذ العنف باستثناء الدفاع عن النفس. (أندرياس فينجارد لصالح أورب ميديا - Andreas Vingaard for Orb Media)

كان واسيران معرضًا لخطر التجنيد من قبل جماعة عنيفة في بلدته سولو في وسط جاوا بإندونيسيا. بفضل العمل الذي يقوم به في مطعم مع جاره الإرهابي السابق جوكو تري هارمانتو ، فقد نبذ العنف باستثناء الدفاع عن النفس. (أندرياس فينجارد لصالح أورب ميديا - Andreas Vingaard for Orb Media)

حوالي الساعة العاشرة صباحاً، بينما يغادر آخر زوار المطعم، يبدأ واسيران وابنه وابن أخته في الإغلاق، يأخذ خلالها واسيران استراحة. يقول واسيران: "هذا هو مكان العبادة لنا، ومكاننا للتفاعل مع الأصدقاء ومجال أفعالنا الجيدة"، موضحًا أنه يقوم مرة شهريًا على تقديم الطعام مجانًا كوسيلة لرد الجميل للمجتمع - وهو أمر يدعى بالجمعة المباركة.

لقد أصبح هذا المطعم مجتمعًا جديدًا لواسيران، وهو المكان الذي يثبّت به إيمانه، والدروس التي تعلمها من هارمانتو، فقد يكون أكثر احتمالاً للبقاء على هذا الطريق بسبب علاقاته المتنامية مع الأصدقاء الذين التقى بهم هنا. لن يستبعد واسيران إمكانية أن يكون دينه في يوم من الأيام بحاجة إلى الدفاع عنه باستخدام العنف، ولكن الآن أصبح المطعم مرساة داعمة له. كما يقول: "يمكننا تشارك الخبرات وتبادلها، سواء كانت تتعلق بالدين، أو العمل، أو أي شيء آخر"، ويضيف "يمكننا اكتساب المعرفة هنا."