الصدمة المالية
العالم يترنح على حافة هاوية مالية
تقرير استقصائي بقلم: كريس تايري، صحفي، بريد إلكتروني
سكوط تالاس، صحفي، بريد إلكتروني
الفصل الأول (1)
صدمة الطوارئ
كانت الحياة جيّدة لبين تون عبر السنوات عندما أعيد السلام إلى كمبوديا. قابلت زوجها سون ثان في مخيم اللاجئين في تايلاند عندما هدأت الحرب الأهلية في كمبوديا. ومع رحيل الخمير الحمر الوحشية أخيرا، عاد الإثنان في أوائل التسعينيات إلى مسقط رأس تون في بانيا، وهي قرية هادئة، منازلها من القش وحقول الذرة المرصعة بالنخيل خارج مدينة باتامبانج. وبمساعدة من وكالة المعونة الدولية اشتريا بيتًا صغيرًا ومساحة صغيرة من الأرض. زرعوا الأرز والخضروات وربوا ستة أطفال وأرسلوهم إلى المدرسة.
وكحال الجميع حولهما في كمبوديا، تون وثان أعادا بناء حياتهما ببطء ووصلا منتصف العمر براحة . لم يكن لديهما أي ادخار يذكر، ولكن لم يكونا مديونين أيضا. قاما بتجديد منزلهما وكانا يملكان عددًا قليلاً من حيوانات المزرعة وأرضًا صغيرة (٢فدان) أنتجت القليل من الأرز الفائض بالاضافة إلى احتياجات الأسرة الأساسية. بعد ذلك أخذت تون المخاطرة على أمل أن ترفع دخل الأسرة فباعت بقرة واشترت جرارًا صغيرًا وزرعت الأرز في خمسة فدانات إضافية استأجرتها من الجيران وبدت لها أنها استثمار جيد. ولكن لم يكن الأمر كذلك فقد ضرب الجفاف قبل بداية الحصاد، وذبلت المحاصيل وانهار الإنتاج. ولصعوبة سدّ احتياجاتهما، قرر الإثنان أن يلتحق ثان بأولادهما في تايلاند حيث يتدفق الكمبوديون للبحث عن العمل بأجور أعلى ولإرسال المال إلى تون .
صحيح أن الحال كانت سيئة ولكنها كانت لا تزال محمولة مقارنة بما حدث بعد ذلك. تعرض ثان أثناء وجوده في تايلاند إلى مرضٍ حطّ من عزيمته وأصبح غير قادر على الكلام وتم تشخيص إصابته بداء السكري ولم يعد قادرا على تأمين مصاريف العلاج في تايلاند فرتب له أولاده العودة إلى بانيا لدفع فواتير العلاج لثان. وبقيت تون تستدين مبالغ بسيطة من مقرضين محليين ولكنها لم تكن كافية.
"قررت أن أبيع كل شيء لأعتني بزوجي"، قالت تون وعمرها الآن ٥٤عاما حينما كانت تجلس مع ثان في مطبخها في الهواء الطلق. "الحياة أهم من الأشياء . يمكنك شراء كل شيء ما عدا الحياة." باعت أولا الجرار ثم باعت دراجتها النارية وأخيرا كان عليها أن تبيع المزرعة. "لم نكن فقراء وكان لدينا ما يكفينا لنأكل ولكن منذ مرض زوجي ونحن نزداد فقرا." وكشفت تون أنها الآن مديونة بمبلغ 4000 دولار أمريكي لشركة تمويل صغيرة، فأدار الزوج ظهره وبدأ في البكاء .
الفصل الثاني (2)
العيش على الحافة المالية
حول العالم، هناك أشخاص كل يوم مثل تون وثان أصيبوا بطوارئ غير متوقعة. معظمنا على حافة الهاوية المالية.
وحدث واحد أو استضافة الأحداث المتزامنة ممكن أن تدفعنا إلى حافة الجرف المالي. لإدارة الطوارئ المالية ينتهي معظم الناس بدائرة الديون المتصاعدة. وهذا يحدث في المجتمعات الصناعية الغنية كما يحدث في المجتمعات النامية. مايثير هذا النموذج من الصدمة المالية عادة الطوارئ الصحية أو الحالة الصحية الحالية مثل مرض السكري الذي أصاب ثان، سوء الأحوال الجوية ، قرار تجاري ضعيف أو الإحتياجات المالية للأقرباء وحياتنا المالية مما تجعل الحياة بسرعة بلا أمل. حتى إذا توفر للناس التأمين الصحي فالاستقطاعات العالية والمصاريف النثرية ممكن أن تكون مرتفعة جدا للذين لم يدخروا المال الكافي وفي بعض الأحيان تحتاج إلى الكثير من المال المدخر لتجاوز الأزمة.
قرر فريق أورب اتخاذ نظرة عميقة في كيفيّة إدارة الناس حول العالم للصدمة المالية. عندما نواجه طارئًا ماليًا غير متوقع هل بإمكاننا زيادة المبلغ المطلوب للتعامل معه؟ وكيف نقوم بذلك؟ كشفت أبحاثنا عن بعض الرؤية القوية عن صحتنا المالية كأفراد ومجتمعات. بالإضافة إلى آثار توسيع الخدمات المالية الرسمية لكل شخص بالغ على هذا الكوكب .
أكد البنك الدولي والمؤسسات العالمية إلى حد كبير على أن الرفاهية الإقتصادية العالمية والفردية متعلقة بما يسمى "التمويل الشامل" وهو السماح للناس بالحصول على خدمات مالية منظمة مثل الحسابات البنكية والأموال المتحركة وبطاقات الإئتمان .
عام 2011 تم تكليف البنك الدولي باستفتاء عالمي محوره موضوع التمويل الشامل وفحص كيف يدخر ويقترض
الناس الأموال حول العالم، وكيف يدفعون ويديرون المخاطر المالية. في 2014 ومع النتائج التي تم جمعها من أكثر من 150،000 شخص بالغ مشارك من 143 دولة، أصدر البنك الدولي دراسة حديثة وهي قاعدة بيانات للتمويل الشامل العالمي أو ما يسمى جلوبال فايندكس وهي أكثر دراسة شاملة من هذا النوع تمّ القيام بها وشكلت نتائجها في 2015 الأساس في مبادرة على النطاق العالمي للوصول الى الخدمات المالية العالمية 2020 وتهدف الى توفير التمويل الشامل إلى ملياري شخص من الذين لا يملكون رسميا "حساب للمعاملات" ويسمح للمستخدم بتخزين الأموال بأمان وإرسال واستلام الدفعات .
وبعدما دققنا في مجموعة البيانات الناتجة من البنك الدولي ركزنا على سؤالين في دراسة "جلوبال فايندكس" وهما قدرة الفرد في الحصول على المال في الأزمات ومن أين سيحصل عليه.
يقوم اورب بتحليل البيانات الأصلية كجزء من طريقة تقاريرنا الفريدة من نوعها. و باختيار أربعة مقاييس وهي مستوى التعليم ، المدخول، الجنس والمشاركة في الهياكل المالية الرسمية. وعليه قمنا ببناء نموذج لافتراض النسبة المئوية لسكان البلاد الذين بإمكانهم تدبير الأموال في حالة الطوارئ ومقارنة هذه الأرقام بالردود الفعلية في "جلوبال فايندكس". أعطت النتائج بعض الاتجاهات المثيرة وفتحت نافذة فريدة لتقييم ما إذا كان التمويل الشامل يوفي بوعده خاصة عند حاجة الناس اليه .
وعلى أساس ما تعلمناه من تحليل البيانات، اخترنا أربع دول –البرازيل، كمبوديا، ميانمار، والولايات المتحدة الأمريكية – لإعداد تقرير أساسي. تحتوي هذه الدول على أنظمة اقتصادية مختلفة على نحو واسع ولكنها جميعا مأوى لعدد كبير من المواطنين المرهقين ماليًا، بغض النظر عن مشاركتهم أو عدمها في النظام المالي الرسمي.
في كمبوديا وميانمار، القليل من الناس لديه التعليم الرسمي أو حساب مالي وعدد كبير من الذين أجابوا في جلوبال فايندكس قالوا إنهم استطاعوا إيجاد المال في حالة الطوارئ. على العكس، فغالبية الناس في البرازيل، حيث 68% من السكان مشمولون ماليا ذكروا أنهم لم يتمكنوا من إيجاد المال في حالة الطوارئ. أردنا أن نبحث عن العوامل خارج نطاق بيانات فايندكس التي ممكن أن تؤخذ بعين الاعتبار لهذا التناقض.
الفصل الثالث (3)
طريق الخروج من الفقر
يقول الإقتصاديون في البنك الدولي والمؤسسات العالمية مثل صندوق النقد العالمي إنّ الناس المشاركين في نظام مالي رسمي أقدر على القيام بكل الأشياء التي تحسن نوع حياتهم سواء من ابتداء أو توسيع تجارة إلى الاستثمار في التعليم والتجاوب مع الصدمة المالية. يقول الخبراء إنّ الادخار في حساب مصرفي هو مؤشر قوي على مرونة وقدرة العائلة على الصمود أمام الأزمات .
يقول بول لاشتنبرج وهو أخصائي مالي شامل في يانجون- ميانمار لصندوق الأمم المتحدة للمشاريع الإنشائية، إنه يمكن للعائلات ذوات الدخل المنخفض ادخار المال وعليها القيام بهذا الشيء. واستشهد بحالة مجموعة من النساء في الهند اللواتي كنّ يتقاضين أجورهنّ من العمل في الأرز وبدأن بادخار جزء صغير منه قبل كل وجبة وأخيرا استطعن بيع الأرز وتحويل الحبوب المدخرة إلى مال حقيقي.
"إذًا، إذا استطاعت هذه النساء الإدخار من أجور عملهن في الأرز، فأي شخص قادر على الإدخار. وهو موضوع العيش بأقل من المتوسط وهو المفتاح الرئيسي للتعامل مع بعض أنواع الطوارئ. فإذا كانت هناك مشكلة فامتلاك بعض المدخرات يعطيك مجالا للتصرف."
وأضاف: "ادخار المال هو المفتاح الأساسي لبناء الثروة. ومساعدة الناس لفهم الادخار وحصولهم على مكان آمن لادخار أموالهم يساعدهم في الحقيقة على بناء بعض الثروة وتحطيم الفقر."
وملاحظاته هي تكرار للبنك الدولي، حيث يرى الاقتصاديون إحضار ماليين غرباء كعناصر حيوية في المحاربة للقضاء على الفقر الشديد. واصطفّ 14 شريك من القطاعين العام والخاص خلف البنك الدولي في٢٠١٥ لطرح الخدمات المالية العالمية 2020 . والهدف العام هو حصول كل شخص بالغ في العالم على اشتراك في حساب المعاملات بنهاية 2020 . والحصول على هذا الحساب سواء حساب بنكي تقليدي أو حساب مالي مرتبط بالجوال هو بنظر الخبراء حجرًا أساسيًا لإدارة وتطوير الحياة المالية للإنسان. وتتركز الجهود على ٢٥ دولة محددة والتي تعتبر الموطن لثلاثة أرباع السكان في العالم غير المتعاملين مع البنوك والتي غالبا ما يشير إليها خبراء التنمية ومعظمها في جنوب وشرق آسيا وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.
ويؤكد البنك الدولي أنّ التمويل الشامل لن يساعد فقط في القضاء على الفقر بل يبني مساواة اقتصادية أفضل وهو الهدف الذي يساهم بشكل كبير في الاستقرار المالي والإجتماعي على النطاق العالمي. وبعد ذلك، فإن السكان الذين يحصلون على الاحتياجات الإقتصادية الأساسية يكونون عادةً راضين أكثر ويشاركون بشكل عام في المجتمع مقارنة مع الذين يعانون ماديا.
يقول دوجلاس بيرس المشرف على جهود التمويل الشامل في البنك الدولي: "الملاحظ أكثر خلال البحث وبدليل قوي أن التمويل الشامل قادر على خفض الفقر وتحقيق النمو على قدم المساواة والرخاء المشترك . كما يستطيع الأفراد والمؤسسات من خلالها اغتنام الفرص لتحسين النتائج الصحية."
أقامت أكثر من٥٠ دولة التزامات رسمية لتحقيق أهداف التمويل الشامل. كما يقر المسؤولون في البنك الدولي أن الذين بقوا خارج النظام المالي الرسمي يمثلون "السوق غير المستغل". بمعنى آخر، ترى الحكومات والمؤسسات المالية والشركات والهيئات التي انضمت إلى مبادرة الخدمات المالية العالمية 2020 فرص الكسب المتاحة وإيرادات الضرائب بالإضافة إلى الأهداف الاجتماعية الإيجابية التي تسعى المجموعة لتحقيقها.
يجادل النقاد بأن فوائد التمويل الشامل مبالغا فيها ويجب ألا ينظر إليها كالترياق الشافي العالمي للعلل الإقتصادية.
واستشهدوا بمثال تحسين إمكانية الوصول إلى الاعتمادات الرسمية وهي إحدى أركان التمويل الشامل. فإذا لم ترافق بالسيطرة على سعر الفائدة والثقافة المالية للمستهلك فإن سهولة الحصول على القروض تؤدي إلى دفن الأسر وحتى المجتمعات بأكملها تحت الحمل الثقيل من الديون. وكتب هف سينكلير: "التمويل الشامل عظيم ولكن في محيط منظم" وهو رئيس العمليات لتحالف التمويل الصغير في النرويج وهي مؤسسة ليست لغرض كسب الأموال وتقدّم القروض للسكان ذوي الدخل المنخفض، بينما تؤكد على تطور المجتمع وحماية العميل.
ويحذر الآخرون من التركيز على توسيع الخدمات المالية للفقراء، لأنه من الجائز أن ينتهي بتشجيع الحكومات على تحويل تركيزها بعيدًا عن برامج التنمية الأساسية مثل التعليم العام والرعاية الصحية بأسعار معقولة.
ويركز مشروع الخدمات المالية 2020 والمشاريع المماثلة التي تتضمن المواطنين في النظام المالي الرسمي إلى حد كبير حول الجهود لتشجيع الأفراد على ادخار المال بأمان (مثلا في أي نوع من الحساب). ويعتقد بأن الحصول على هذا الادخار يساعد على تحسين المرونة المالية العامة للأفراد. حتى الآن 22% من سكان العالم يقومون فعلا بالادخار الفعلي إذا كان لديهم حساب أو لم يكن. توسيع فرص الحصول على رصيد من التمويل الشامل من الممكن أن يؤدي إلى الكثير من حديثي المستخدمين للبنوك إلى الغرق في الدين مدى الحياة اذا لم تكن هذه الجهود مصحوبة بتركيز قوي على تحويل سلوكنا لادخار المال .
الفصل الرابع (4)
إيجاد المال. كيف ؟ أين ؟
ضمن الأسئلة التي طرحت في دراسة "جلوبال فايندكس" 2020 العديد التي سألت المشاركين عما إذا استخدموا الخدمات المالية الرسمية مثل بنوك الطوب والسيارات ، النقود الإلكترونية أو بطاقات الإئتمان. كما سئل المشاركين عما إذا تعرضوا لطارئ مالي وتمكنوا من الحصول على مبلغ معين خلال 30 يوما. اختلفت الكمية من بلد إلى الآخر ولكنها كانت تمثل 1/20 من نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي بالعملة المحلية (على سبيل المثال سئل الناس في الولايات المتحدة الأمريكية عن امكانيتهم في الحصول على 2600 دولار خلال ثلاثين يوما). باستطاعة المشاركين الإجابة على أحد الاختيارات الأربعة: من الممكن جدا، من الممكن، غير ممكن، غير ممكن أبدا. كما يمكنهم الرد "لا أعرف" أو رفض الإجابة. عالميًا 31% فقط قالوا إنه من الممكن جدًا الحصول على المبلغ المقرر وطنيا خلال 30 يومًا. لدى الناس القادرة على إيجاد المال الطرق المختلفة للقيام بذلك معتمدة على معارفهم وظروفهم الاقتصادية وأين يعيشون .
لنأخذ ميانمار على سبيل المثال. في دولة ميانمار والتي كانت تسمى سابقا بورما، أقلّ المستويات من التمويل الشامل في العالم . وتصنف في الثلث الأخير من دول العالم في إجمالي الناتج المحلي (يستخدم إجمالي الناتج المحلي لقياس الحيوية الإقتصادية) وتقريبا 80%من السكان يعيشون في المناطق النائية والمناطق الريفيّة بعيدًا عن الوصول إلى المؤسسات المالية التقليدية. تخرج البلاد الآن من نصف قرن من العزلة والديكتاتورية العسكرية وأكثر من 12 من التمردات العرقية المشتعلة.
معظم أنشطة الدولة الإقتصادية، تقع خارج الإطار الرسمي. فيعتمد مزارعون، عمال يوميون، والتجار جميعًا على الدفع نقدًا أو المقايضة للقيام بعملهم . أقل من 23% من السكان وعددهم 54 مليون نسمة يملكون حسابات مالية رسمية. يقول الأخصائي المالي الشامل لصندوق الأمم المتحدة للمشاريع الإنشائية بول لشتنبيرج إنّ هذا الاقتصاد غير الرسمي "الإقتصاد الرمادي" في ميانمار ينافس حجم جميع قطاع المصارف التجارية في الدولة.
بصرف النظر عن انخفاض معدل الوصول إلى الحسابات المالية الرسمية، فإن 90% من المشاركين في "جلوبال فايندكس" قالوا إنّ بإمكانهم إيجاد المال في حالة الطوارئ – تقريبًا 40% نقطة أعلى من المتوقع في النموذج التحليلي الذي وضع وطبق في بيانات "جلوبال فايندكس".
الفصل الخامس (5)
حيث الثقة هي الضمانات الوحيدة
ما تفسير هذا الفارق الكبير بدولة مثل ميانمار؟ للبدء بالمجتمعات الزراعية التقليدية ذات الشبكات الإجتماعية الضيقة، من الممكن للشخص الذي يمر في محنة أن يقترض من الأصدقاء أو العائلة بسهولة. حول العالم، هؤلاء المقربون لنا يأتون في المرتبة الأولى لمساعدتنا ماليا. 31% من المشاركين في "جلوبال فايندكس" الذين قالوا إنّ بإمكانهم الحصول على الأموال بسهولة في الطوارئ، هناك 38% قالوا إن مصدرهم الرئيسي لفعل ذلك كان الأصدقاء أو العائلة.
فوق ذلك، اكتشفنا وجود شبكة ضخمة غير رسمية لمقرضي الأموال ومكاتب المراهنات التي انتشرت في أنحاء البلاد في غياب الخدمات المالية الرسمية. وتبين أن هؤلاء المقرضين يقدمون أسهل وأسرع طريقة للناس في ميانمار للحصول على الأموال النقدية عند احتياجهم. المقرضون غير الرسميين معروفون في مجتمعاتهم ويعرفون زبائنهم جيدا. في معظم الأحيان الثفة والعلاقات الشخصية هي الضمانات الوحيدة.
يقول أي وين سان (36 عامًا)، وهو مقرض غير رسمي في كيان ست ثار وهي قرية فقيرة وسط المستنقعات غرب يانجون وتعرف سابقا رانجون "أنت تعرف الناس الذين حولك، فإذا لم يستطع الشخص سداد الدين بسهولة، فلن أقرضه في المرة القادمة مهما كانت الظروف."
أي وين سان سيدة ذات وجه مستدير وضحكة جاهزة تتكلم معنا على طاولتها الوحيدة في مطعم في الهواء الطلق والذي يقع على طول ممر ترابي ضيق يقسم المستنقعات المحيطة. تجتمع النساء والأطفال من كل الأنحاء تحت السقف المنخفض للاستماع . قالت لنا إنها دخلت في مهنة الإقتراض بعدما تعرضت ابنتها إلى حمى أبو الركب في 2008 وهي من الأمراض التي يحملها البعوض واضطرت إلى اقتراض المال لدفع الفواتير الطبية. استغرقت سبعة أشهر لدفع القرض ودفع الفوائد مقدما ولكنها كانت تجربة لا تقدر بثمن .
وقالت: "تعلمت من تلك التجربة وأنا مديرة جيدة". وبدأت أيضا بتقديم القروض الصغيرة الى النساء في الجوار عادة
في حدود 20 الى 80 دولار أمريكي. والآن تملك خمسة عشرة قرضا غير مسددة وتمثل تقريبا الف دولار أمريكي اي دين سان ليست فقط مقرضة، بل أيضا مقترضة. فهي تقترض من "شخص غني" بفوائد 20٪ شهريا وتقرضها للجيران بفوائد 30٪ . قد تظهر النسبه عالية ولكنها تسدّد القروض في الوقت المحدد وتتماشى مع رسوم المقرضين غير الرسميين الآخرين في ميانمار. كذلك، تقول اي وين سان، حيث أنها جميعا بدون عقود رسمية فلا يوجد ضمان بأن العميل سيدفع لها .
تقول اي وين سان إنّ معظم المقترضين هم من النساء المحليين وأطفالهم المرضى ويحتاجون إلى عناية طبية عاجلة أو النساء المحتاجات للعيش إلى أن يستلم الزوج راتبه في نهاية الشهر . ومع ذلك يعمل زوجها في النهار في مستودع على نهر يانجون. لا تكاد واي وين سان أفضل حالاً من الناس الذين تقرضهم المال. ومثلهم، فهي تحتل أرضا ليست ملكا لها. وعندها ثلاثة أطفال في المدرسة ولا تملك أي ادخار أو حساب بنكي .
قالت لنا: "لو كان لدي المال الإضافي، لكنت وضعته في حساب مصرفي، ولكنني أصرف كل الأموال التي أحصل عليها كل يوم. وأبيع الأشياء لإطعام بناتي الثلاث. لو كنت أملك المال الإضافي، لما قمت بهذا العمل، فهو متعب جدا."ويبقى مطعم اي وين سان ومنزلها المبني من القش من جانب آخر لطريق معرض للشباب المكلفين من أصحاب الأراضي لهدم المساكن وطرد الذين يضعون أيديهم على الارض. لقد هدموا منزلها السابق قبل ثلاثة أشهر فقط ويمنكهم العودة في أي لحظة. كان عليها أن تعيد بناء منزلها في أربع مناسبات خلال العقد الماضي، ويتضمن ذلك عندما جرف إعصار النرجس القرية بكاملها في 2008، والذي تسبب في تدفق هائل من أعلى دلتا نهر إيراوادي وقتل 140،000 شخص .
من أجل "قياس" وخدمة الأسواق الكبيرة بكفاءة، أصبحت المؤسسات الرسمية أقل شخصية وإعادة لاتصال أقل بالعديد من المجتمعات التي تخدمها. عادة، التركيز أكثر على توسيع الأعمال ومصالح المساهمين "بمعنى الربح" . ولكن هذه المنظمات، باستنادها على روح الثقافة الغربية السريعة، يمكنها النجاح بأخذ إشارة من المنهج الموجه في المجتمع ولا يزال شائعًا في ميانمار وكمبوديا. الرابط الشخصي بين المقرضين غير الرسميين وعملائهم لا يسهل القرض السريع في حالات الطوارئ فقط ، بل يساعد المقرضين على التنظيم عندما يسعى العملاء المحتملين للحصول على قرض كبير، من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف الى الخراب المالي .
قالت سري بوف (37 عامًا): "أعرف معظم الناس في قريتي"، وهي مقرضة صغيرة وتعيش في سيم ريب في وسط كمبوديا وهي أصلا من بانيا، نفس المجتمع الذي تعيش به بين تون وزوجها المريض. يعيش كل عملائها تقريبا في نفس القرية وهؤلاء الذين لا تعرفهم شخصيا تعرفهم بسمعتهم. وترفض ادانة المجازفين الذين يهدرون القرض على عناصر غير أساسية. "سيذهبون الى شخص أعلى أو أغلى وسيذهبون في الانحدار من هناك".
حتى بين عملائها الذين يجيدون القراءة والكتابة، تطلب منهم بوف التوقيع على عقود القرض مع البصم بالإبهام. العقد غير ملزم قانونيا ولكن ترك بصمة الإبهام يعزز الشعور بالواجب لدفع القرض، تقول: "أقرضهم لأنني أعرفهم. ولست قلقه من عدم دفعهم لي". عشرون من المقترضين أودعوا مع بوف ملكية الأراضي ولكنها ترفض مصادرة الأرض أو البيوت عندما لا يقدر العميل على الدفع . فهي تفضل إما أن تشتري الأرض وقامت بفعل ذلك مرتين، أو ببساطة انتظارهم حتى يدفعوا .
بالاختلاف عن المقرض ون سان في ميانمار، تعد بوف نفسها ضمن الصفوف المشمولة ماليا، فهي تملك حسابًا مصرفيًا وتدخر به أرباحها المتواضعة من عملها بالإقراض. تقريبا 400 - 500 دولار أمريكي شهريًا. بمعنى آخر قد تكون بوف أيضا حالة استثنائية. تقول ان أكثر المقرضين الجشعين وبعض شركات التمويل الصغيرة الأجنبية، تقرض عمدا المزارعين الغارقين في الديون والاعتقاد بأنهم سيسلموا أراضيهم بأسعار منخفضة وينضموا الى جحافل المزارعين النازحين المهاجرين إلى تايلاند للبحث عن العمل .
هوم هان (37 عاما) مزارع في مقاطعة كومبانج شانج وتبعد 40 ميلا شمال غرب فومبيه. وسيم، متوسط القامة، وابتسامته الجذابة لا تنم عن الحزن الممكن توقعه لرجل في مأزق . فقد دمر الجفاف الطويل محاصيله. جفت الآبار في السهول المحيطة وجفّ كذلك عصير نخيل السكر الذي يجمعه ليساعده على المصاريف. تعمل زوجته سبعة أيام في الأسبوع في مصنع للملابس بينما يعتني هو بستة أطفال، بينهم هان سري فين عمره سبعة سنوات ويعاني من تشوّه في القدمين منذ الولادة بسبب شلل الأطفال.
في صباح يوم حار، يواسي هان زوجته فين حين كانت ممددة على السرير في عيادة في الهواء الطلق وفي يدها المغذي الوريدي. كانت تشعر بالغثيان منذ الصباح الباكر، بعد ساعات عدّة من العلاج التقليدي الذي جعل حالتها أسوأ، أحضرها إلى هنا . لا يعرف كم سيكلف علاجها وليس متأكدا من أين سيأتي بالمال لدفعه . من الممكن أنه يملك الأرز الكافي لتغطية التكاليف، ولكن بالكاد.
"عندما أواجه مشكلة، أقترض من الناس وبعد ذلك أقترض من مؤسسات التمويل الصغيرة لأعيدها لهم . وبعدما اقترضت لمدة، علينا أن نحاول العمل بجهد لتسديدها".
يرغب أنصار التمويل الشامل برؤية الناس الأمناء، العاملين بجد مثل هان يقترضون المال من مقرض مؤسس بنسبة فوائد معقولة بدلا من ٣٠ في المائة عادة كنسبة شهرية هنا من المقرضين غير الرسميين. ويرغبون أن يملك حسابًا مصرفيًا وأن يدخر المال، وبذلك لن يحتاج إلى الاقتراض كل مرة عندما يحتاج أولاده العناية الصحية.
ولكن بالنسبة إلى هان، فالعوائق للتمويل الشامل لا يمكن التغلب عليها تقريبا. لم يذهب إلى المدرسة أبدا ولا يستطيع القراءة أو الكتابة. في الوقت الحاضر هو مدين بمبلغ 1000 دولار أمريكي لأقاربه و 2000 دولار أمريكي لشركة تمويل صغيرة . وقال: " لا أملك حسابًا مصرفيًا لأنني غير متعلم . لا أعرف كيف أتعامل مع البنك".
الفصل السادس (6)
كالذي يعرّي هذا ليلبس ذاك
إعترف لوتشينبرج الأخصائي المالي الشامل لصندوق الأمم المتحدة للمشاريع الإنشائية بأن المقرضين غير الرسميين أمثال اي وين سان وسري بوف يقومون بأداء خدمة قيمة في مجتمعاتهم. محاولة الحصول على قرض رسمي من البنك أو حتى من مقرض ذكي مثل شركة تمويل صغيرة، يمكن أن تتراوح من عملية رعب إلى المستحيل لشخص قليل التعليم أو غير متعلم أو في وظيفة رسمية. وتتضمّن العملية عادة المتاهات من الأوراق والزيارات من موظفي القروض التي تستغرق أسابيع، وهذا يجعلها صعبة لوجيستيا وعادة ليست بالسرعة الكافية .
ولكن بالنسبة للوتشنبرج فهذه السرعة التي تتوقف عندها فائدة الإقتراض غير الرسمي . ويخاف من ازدياد أعداد الأسر التي تحاصر في دائرة الدين المتكرر، والإقتراض بأسعار فائدة خيالية وخلط المال بين المقرضين بدون الدفع الفعلي لأساس القرض الأصلي .
وقال: "ليس لدينا معلومات دقيقة بهذا الشأن ولكنني أعتقد أنّ هناك المزيد والمزيد يحدث تحت السطح، واذا رأيت ماذا يحدث تحت السطح، فهو مخيف قليلا. يقترض الناس من بيتر ليدفعوا إلى بول".
لنأخذ موينج سوسادي، 55 عاما ، بائعة للزهور وعاشت مع زوجها وأطفالها الثلاثة في مقاطعة كاندال، خارج فنوم بينه في كمبوديا. كسرت كاحلها في عام 2015 عندما صدمة سيارة دراجتها النارية ولاذت بالفرار . تتذكر، وهي جالسة أعلى الطاولة في الطابق الأرضي من منزلها، بالقرب من عكازاتها "كان الناس موجودين وحاولوا أخذي إلى المستشفى ولكنني لم أستطع تحمل المصاريف ."
أثبت العلاج التقليدي لمدة شهرين عدم فعاليته . أخيرا باعت سوسادي بقرة لدفع 700 دولار أمريكي للعملية في المستشفى. ولكن لم يلتحم العظم بشكل صحيح ولم تستطع ايجاد المال الكافي لدفع العلاج للمتابعة . وبما أن زوجها أعيق من حادث في العمل، وجدت نفسها محاصرة في دائرة الديون، تقترض من شركة تمويل صغيرة لدفع فوائد قرض إلى واحدة أخرى. في الإجمال هي مدينة إلى ست شركات مختلفة. وكل مرة تقدم فيها على طلب لقرض يطلب منها المقرض شهادات الأرض كضمان. وتقول: "لا أدري من أين سأحصل على المال، الآن لا يمكنني اقتراض المال من أي أحد".
بدون اجراءات الزامية لحماية العميل، فإن المقترضين في كمبوديا مثل سوسادي تحت رحمة المقرضين المعدومين من الضمير وشركات التمويل الصغيرة. وتقول أن الدائنين يعرفون أين منزلها وتخشى من نهاية الشهر عندما تكون الفواتير مستحقة . وتخاف أن تضطر في النهاية لبيع البيت للوفاء بالتزاماتها .
يأمل لتشينج برج بأن تكون الفرص السياسية والاقتصادية الجديدة بجوار ميانمار لصالح المستهلكين . وأن تشق مؤسسات التسليف الرسمية بعمق في السوق وأن ينخفض سعر الفائدة، وأخيرا تحسين مستوى المعيشة . هذه هي الفكرة على أي حال . وقال: "سعر الفائدة مرتفع جدًا"، مشيرا الى المقرضين غير الرسميين. وقال: "وظيفتنا ايقافهم عن العمل أو تخفيض السعر".
الفصل السابع (7)
" الاقتصاد الرمادي "
عالميًا، يمثل الاقتصاد غير الرسمي تحديا هائلا لجدول أعمال التمويل الشامل. ولا تتم الصفقات بدون تدوينها في السجلات فقط، حيث لا تستطيع الحكومات رصدها وفرض الضرائب عليها، بل أن العاملين في الاقتصاد غير الرسمي يصابون بخيبة أمل عند طلبهم للخدمات من البنك أو من أي مؤسسة مالية رسمية بسبب عدم حصولهم على دليل للتوظيف .
هذا كان حال زيلدا جومس (46 عامًا) وهي أم وحيدة ناضلت لتغطية نفقاتها عن طريق إعادة تدوير الزجاجات والأجهزة المراد التخلص منها في فافيلا أو بلدة الأكواخ، في مدينة فيلافيلها على الساحل الأطلسي للبرازيل .ومع أخيها الذي يمر في فترة نقاهة بعد إصابته بعيار ناري ووالدها المصاب بمرض مميت، تحاول بيأس المزج بين العائلة ومسؤوليات العمل . حصلت على بطاقة ائتمان لشراء الإمدادات الطبية لآخيها ولم تكن تعلم عاقبة أسعار الفائدة المحسوبة عادة في البرازيل . وخلال بضعة شهور ، ازدادت ديونها عشرة أضعاف. فذهبت الى البنك لطلب قرض لتسديد الديون .
وقالت: "سألوني أين أعمل. قالوا لي أن التدوير لم يكن عملاً حقيقيًا ولذلك قالوا لا. شعرت بالحرج لأنه أصبح التعامل مع الإنسان أسوأ من الحيوان. عندما يكون لديك المال، فأنت تملك كل شيء. وعندما لا تملك المال، فأنت اسوأ من الكلب . لقد خجلت كثيرا".
ظهرت البنوك "غير الرسمية" و"غير المنظمة" من قبل الدولة أو البنك المركزي في البرازيل، لسد حاجة وخدمة المجتمعات أينما وجدت. يوجد اليوم 150 من "البنوك الإجتماعية" في البرازيل. في النهاية، وجدت زيلدا المساعدة من أحدهم، بنك فيردي فيدا، الذي تأسس في ٢٠٠٨ استجابة لاحتياجات السكان في فيلا فيلها. أصدر البنك عملة محلية للتداول داخل المجتمع وتوفير وسيلة لتبادل السلع المعاد تدويرها، والتي يعيد البنك بيعها للمشترين من الخارج. ويمكن استبدال العملة في "الأسواق المركزية المتضامنة" لشراء الطعام والمواد الأساسية . على الأقل حصلت زيلدا على ما يكفيها مع عائلتها. ولكنها لا تعرف ماذا ستفعل إذا تعرضت لصدمة مالية أخرى .
حول العالم، 69% من المشاركين في استطلاع "جلوبال فايندكس" أفادوا بأنه "ممكن بعض الشيء" "غير ممكن"، أو "غير ممكن أبدا" إيجاد المبلغ المطلوب لمواجهة الطوارئ خلال 30 يوما . ولكن في البرازيل ، يمكنك أن تعد زيلدا جومس ضمن 86% من المشاركين في تلك الدولة أن يكون "ممكنًا بعض الشيء" ، "غير ممكن"، أو "غير ممكن أبدا" الحصول على تلك الأموال ،على الرغم من حقيقة أن 69% من السكان البالغين في البلد يمكنهم الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية. تدعو هذه الأرقام الى السؤال فيما إذا كانت المؤشرات القياسية للتمويل الشامل – الحصول على حسابات بنكية، أنظمة الدفع الإلكترونية وخطوط الائتمان – تؤدي في حد ذاتها الى مزيد من الإزدهار و/أو المرونة المالية .
الفصل الثامن (8)
الوقوع في حفرة الدين في البرازيل
لا يقتصر الأمر على الفقراء البرازيليين الذين يقولون إنهم يجدون صعوبة في مواجهة الأزمة المالية . 86% من البرازيليين الذين صرحوا بعدم قدرتهم الحصول على الأموال يشمل أفراد متعلمين من شرائح الدخل المتوسط والمرتفع . ويشهد البلد على احترام عالمي لنهضة المستهلك في العقد الأول من الألفية الجديدة، مستندًا إلى حد كبير على الاقتصاد المزدهر في صادرات المواد الخام والتوسع السريع في توفير الإئتمان .
أصبحت البرازيل محبوبة من الإقتصاديين وخبراء التنمية والعديد من الدول – روسيا ،الهند، الصين وجنوب أفريقيا وأصبحت عضوًا في "بريكس" قوى الإقتصاد الناشئة . ولكن الارتفاع المبهر في الطبقة الوسطى الجديدة في البرازيل تم تمويله جزئيًا من خطوط الإئتمان التي جاءت بنسبة فوائد متغيرة والتي وصلت الآن الى 400% سنويا .
يقول كارلوس إدواردو باتالها تاردين، كبير المستشارين لإدارة الشركات في بلدية ريو دي جانيرو "من خلال الإئتمان عززت الحكومة الحالية خلق طبقة وسطى أو بالأحرى طبقة وسطى جديدة قادرة على شراء البضائع والخدمات التي لم تستطع تحملها سابقًا، واليوم لا يجد المستهلك العادي حل لهذا الدين بدون اللجوء الى ديون جديدة وهذا يسمى دائرة الدين ".
تشهد البرازيل أسوأ أزمة اقتصادية خلال قرن تقريبًا. تحطمت أسعار السلع الأساسية وزاد التضخم المالي . ولوقوع بلادهم في أزمة اقتصادية وسياسية عميقة، يواجه الكثير من البرازيليين الذين لاحظوا ارتفاع ثرواتهم خلال سنوات الطفرة، التسريح من العمل والاحتمال المخيف ليس فقط من مصادرة السلع الإستهلاكية المرتفعة الثمن بل حتى منازلهم.
اوزوالدو جونكالفيس مهندس كهربائي مع زوجة وابنته في عمر الدراسة من مدينة فيتوريا الفقيرة. ويجسد اوزوالدو في سنوات عدّة نوع المستهلك المتعلم الذي يحتاجه جدول أعمال التمويل الشامل للنجاح. بعدما خسر وظيفته قبل عشر سنوات، تعلم بالطريقة الصعبة عن السعر العالي لاقتراض المال وقضاء السنوات للخروج من الدين. تخلص من بطاقات الإئتمان وأصبح متسوقًا مقتصدًا وسعى إلى الصفقات. تعب من دفع المال على الإيجار بدون قيمة حقيقية فوقّع على رهن لمدة 15 سنة لشقة في 2013 .
ولكن بعد سنتين فقد اوزوالدو عمله مجددا في المنصة البحرية لشركة البترول الحكومية، بيتروبراس. كانت الشركة وسط فضيحة الرشوة والفساد الذي هز بعمق الثقة بالمؤسسات البرازيلية. وبدون اللجوء إلى القروض العالية الثمن لسد النقص، لا يدري لمتى سيمكنه الصمود قبل أن يضطر لبيع شقته .
وقال: "المال ينفذ وأبحث مع زوجتي على ما يمكننا عمله لنعيش، علينا أن نأكل وأن ندفع مصاريف الدراسة لابنتي.
نبحث عما يمكننا عمله قبل أن نحاصر في عالم أسعار الفائدة المرتفعة إلى السماء".
انخفضت الأجور إلى أقل من 30% مما كان يتقاضى قبل أن يوقف عن العمل. لا يزال اوزوالدو غير قادر على الحصول على وظيفة ويخاف إذا قام مع زوجته ببيع الشقة أن يؤدي الى عدم وجود مكان للسكن بتاتا .
وقال: "لا أدري حتى كيف سأستأجر، فهو صعب لأنه لا يريد أحد أن يؤجر العاطلين عن العمل".
الفصل التاسع (9)
الرسوم العاطفية
في الواقع، تأتي الصدمات المالية بكل الأشكال والأحجام . حتى في الدول المتقدمة والصناعية، يمكن أن يجد العمال المهرة ذوو الأجور المرتفعة حياتهم انقلبت رأسا على عقب من المصاريف غير المتوقعة. وعندما يحدث ذلك لا يكون الضرر ماديًا فقط بل نفسيًا أيضا.
بكل المقاييس، كانت كارين أوليفر ، 60 عاما، نموذجا للمسؤولية المالية. عملت براتب مرتفع كمدربة لبرنامج مدني في قسم الدفاع في الولايات المتحدة لأكثر من ثلاثين عاما. وهي عزباء بدون أولاد وليس عليها ديون وتملك منزلا في حي راقٍ غرب أرلينجتون في فيرجينيا. زادت قيمة منزلها وتضاعفت قيمته منذ أن اشترته عام 1999، كانت تدخر للتقاعد في حساب 401k “٤٠١ك” كل أسبوعين والذي يمكنها من المساهمة في الضرائب المؤجلة والمطابقة مع صاحب العمل .
ولكن على مدى السنوات القليلة الماضية اضطرت كارين إلى التخلي عن المتع البسيطة التي أخذتها كأمر مفروغ منه. لا تقف في الصباح لشراء القهوة من "ستاربكس" ولا المزيد من الإشتراك في برامج التلفزيون. بدأت ببيع أجهزة المطبخ وأثاث غرفة المعيشة على شبكة الإنترنت. لماذا؟ لأنها قامت بمساعدة أقاربها الذين يمرون بضائقة مالية بما فيهم والدتها المسنة التي واجهت النفقات الباهظة بعد إصابتها بجلطة دماغية قبل ثلاث سنوات.
تقول كارين: "كنت أبيع الأشياء منذ عام 2013 عندما مرضت والدتي ومرّ أخي ببعض المشاكل". وتتنهد وتنظر الى غرفة المعيشة ذات الأثاث القليل. في الحقيقة ستكون الغرفة فارغة أكثر وسيصل زوجان شابان لأخذ الأريكة التي تجلس عليها كارين. وستكون نهاية 200 دولار أمريكي ثمن الأريكة في شيك سوف ترسله الى والدتها في الباسو في تكساس لمساعدتها على تغطية الفواتير الطبية قبل استحقاقها في نهاية الشهر .
لحسن ظن كارين فإن حسابها في 401k لا يزال بخير. في وقت ما في السنوات القليلة المقبلة وإذا لم يكن قبل ذلك ستبيع كارين منزلها في المدينة وتعود إلى تكساس للعناية بوالدتها. العناية اليومية التي تحتاجها والدتها ببساطة غالية جدا ومعقدة على أن تديرها كارين من على بعد .
تقول كارين: "إنه محزن جدا". تحيط بها الشكوك، " تظن أين ستتجه حياتي؟ هل هي لسنة أو لسنتين.. لخمسة سنوات مقبلة؟ أعني لم أخطط لهذا الشيء. لم أخطط للعودة إلى الباسو في تكساس"، والعودة الى منزلها للعناية بها لأنها بالفعل تحتاج إلى أن يكون أحد هناك.
من المؤكد أن وضع كارين في إدارة الصدمة المالية أفضل من معظم الناس. ولكن لم يستثنها من العواطف المعقدة التي تصاحب الاختيارات الصعبة المتعلقة برعاية الأهل المسنين. إذا تعرضت كارين نفسها الى طارئ غير متوقع عليها أن تغوص في حساب التوفير لدفعه. وهو الوضع الذي يقلق المستشارين الماليين الذين شاهدوا عملاء مسؤولين ماليا تعرضوا الى صدمة مالية عند تدخلهم لمساعدة قريب محتاج .
"بسبب طبيعة الأزمة والتوتر المصاحب لها، من الممكن ألا يكونوا في المكان الذي يمكنهم فيه التفكير بوضوح بوضعهم وبالحلول المتاحة"، بحسب ما يقول بروس ماكلاري من المؤسسة الوطنية لتقديم المشورة في الإئتمان ومقرها واشنطن العاصمة. ويضيف: "من الممكن أن تنقذ واحدًا من أفراد العائلة من مأزق مالي ولكن من الممكن للشخص الذي كان كريمًا أن يتعرض إلى أزمة خاصة به".
ويشبه هذه اللحظات المشحونة عاطفيا في الصدمة المالية "بضباب الحرب". حتى ذوي المدخول العالي يحتاجون الى مساعدة خارجية لرؤية الوضع بشكل واضح. ويحذر ماكلاري لتجنب شلل الديون والألم العاطفي الذي يصاحبه. ماكلاري وهو مستشار ائتمان سابقا أكثر قلقا على الملايين من الأسر الأمريكية التي لا تملك أي توفير على الإطلاق والإستهلاك المالي مع الإئتمان السهل والدين المتصاعد .
ويقول: "لدينا عمل كثير لتغيير العقول ودفع الناس إلى وضع المال جانبا للطوارئ المالية والادخار على المدى القصير وأيضا الادخار للتقاعد".
الفصل العاشر (10)
مفاتيح النجاح
عندما ننظر في كيفية تصرف الناس في الصدمة المالية، نجد أن العديد من القادرين على الحصول على الأموال في حال الطوارئ يعيشون في البلاد ذات المعدلات المنخفضة من التمويل الشامل. وممكن حتى أن يكونوا بين مليارين من غير المتعاملين مع البنوك والمستهدفين في مشروع الخدمات المالية 2020 والذين لم يتمكنوا من الحصول على الخدمات المالية الرسمية. اتفق المؤيدون على أن هؤلاء السكان سيستفيدون كثيرًا من التمويل الشامل بحصولهم على حساب المعاملات الذي يتيح لهم تخزين المال بأمان وإرسال واستقبال الدفعات.
حتى الآن، فإن التمويل على أساس رسمي يعني عادة إعطاء نفس الناس المنفذ الذي لا مثيل له على الإئتمان. لذلك معظم الخبراء يقولون الآن أن محو الأمية المالية يجب أن يكون عنصرا حاسما في أي جهد لتوسيع فوائد التمويل الشامل لغير متعاملين مع البنوك في العالم . ما لم يعرف المواطنون العاديون كيفية ادخار المال والاستثمار بحكمة والاقتراض بمسؤولية، فإن أثر التمويل الشامل سيكون أقل إيجابية مما يتوقع الاقتصاديون رؤيته. يرى العديد من المسؤولون أن توزيع بطاقات الإئتمان مقلقة، ما لم تكن مصحوبة بجهد موازي لتثقيف المستهلكين بمخاطر تصاعد الديون .
تقول الفيرا كروفينيل رئيسة التعليم المالي في البنك البرازيلي المركزي: "نعتقد أن بطاقة الإئتمان وسيلة جيدة في التمويل الشامل ولكن... يجب أن نكون حذرين مع بطاقات الإئتمان خاصة في البرازيل لأن أسعار الفائدة ارتفعت وجعلت من المستحيل للملايين من المستهلكين وأصحاب الآعمال الذين قاموا باستخدامها لشق طريقهم للخروج من الديون بدون التعثر". وتضيف كروفينيل: "إن بطاقة الإئتمان وسيلة مستخدمة على نطاق واسع في هذا البلد ولكنها تستخدم بطرق غير صحيحة. يجب أن يكون التركيز في خططنا على أن تكون بطاقة الإئتمان لتقوية المواطنة المالية."
من الجائز أن يعطي الإقتصاد ذو المعدلات المرتفعة من التمويل الشامل مثل الذي في البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية، تحذيرًا للمؤسسات والحكومات التي تسعى إلى توسيع الخدمات المالية الرسمية في الدول النامية. مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية تصرف شركات الخدمات الماليه ٢٥ مرة أكثر على الدعاية لمنتجاتها بدلا من تثقيف المستهلك، طبقا لدائرة حماية المستهلك المالية في الولايات المتحدة – هيئة الرقابة التنظيمية الفيديرالية المؤسسة عقب الأزمة المالية في 2008-2009.
لحماية المقترضين سريعي التأثر من تصاعد الديون، يعتقد الخبراء أيضًا أنه يجب أن تشرع إجراءات أقوى وأكثر فعالية لحماية المستهلك- مثل تحديد أسعار الفائدة. ويقولون: "يجب ألا يحدث هذا فقط في الدول التي يطلب فيها المقرضين غير الرسميين حصة كبيرة في السوق بل أيضا في الهياكل المالية الرسمية الموجودة بالفعل".
وكما رأينا في البرازيل والولايات المتحدة، من الممكن ألا يكون التمويل الشامل بمفرده مؤشرا على القوة والمرونة والرفاه الإقتصادي كما أرادنا أنصاره أن نعتقد. المقرضون غير الرسميين الذين يتأمل أنصار التمويل الشامل بالقضاء عليهم يعطي خدمة قيمة. فهم يوفرون القروض السهلة والسريعة التي تساعد عملاءهم على مواجهة الطوارئ . ومعظم المقرضين يعرفون عملاءهم جيدا للتأكد من قدرتهم على التسديد من دون وقوعهم في الدين المتصاعد. ومن دون الإعتماد على البراعة واللمسة الشخصية التي يقدمها المقرضون في المجتمع لعلاقاتهم، قد تنتهي المصارف وغيرها من مؤسسات الإقتراض الرسمية بترك المستهلكين غارقين في شبكة من الديون المتسعة .
على ما يبدو أن هناك اجراءات مشتركة من الممكن أن تسهل تنفيذ نجاح التمويل الشامل على النطاق العالمي. وتشمل حماية المستهلك، وتكرار العلاقات الشخصية والمعرفة للمقرضين في المجتمع والتعليم المالي – مع التركيز على توفير المال وتجنب الدين. ولكن عندما ننظر الى المشهد العالمي، نرى أنّ هذه الإجراءات تطبق بشكل غير متساوٍ.
يصارع البنك الدولي وشركاؤه مهمة ضخمة لرفع العاملين ذوي الدخل المنخفض عالميا من الفقر الشديد، ويمكنهم الاستفادة بأخذ نظرة أعمق في بياناتهم من جميع الاتجاهات. وبجمع النظرة العامة والعاطفة على أرض الواقع كما فعلنا هنا، من الممكن تقديم رؤية جديدة للوصول بنجاح لأهدافها المهمة والمتوقعة عالميًا.