غير مرئيين
البلاستيك الموجود داخلنا
تقرير استقصائي
بقلم كريستوفر تيري، صحفي، بريد الإلكتروني
دان موريسون، صحفي، بريد الإلكتروني
إنه في كل مكان: فهو المنتج الأكثر بقاء والأكثر خبثا والأكثر حميمية من أي منتج في العالم.
يستخدم البلاستيك لتغليف طعامنا ولتحريك سياراتنا، يدخل في ملابس الشباب في المدن وملابس متسلقي جبل إيفرست. يعزل ويقشر ويؤمن حركة مجاري الصرف الصحي ويسهل عمليات التبرع بالدم.
انظر داخل منزلك في خزانتك وثلاجتك وحمامك وبجانب سريرك، ثم حاول أن تعد القطع البلاستيكية التي تراها. ما هو الرقم الذي ستصل إليه قبل أن تمل من إكمال العد؟
وهذه الأشياء هي فقط الأشياء التي تستطيع أن تراها بعينك المجردة.
ولكن هناك كماً هائلا من البلاستيك غير المرئي الذي يتجاوز التغليف وعلب الأدوية والحقائب وقناني الأطفال ليشمل الألياف البلاستيكية والجزيئات والمواد الكيميائية التي تخترق كل ناحية من حياتك اليومية.
البلاستيك موجود في الهواء حولك الآن.
يتطاير البلاستيك في ضوء الشمس مثل حبات الطلع. وهو موجود بكثافة في الأنهار والمحيطات، وفي مأكولات البحر وفي الملح وفي الملايين من الحيوانات البرية.
وتظهر نتائج البحث الذي قامت به مؤسسة أورب ميديا بشكل حصري أن عينات مياه الشرب التي جمعناها من جميع أنحاء العالم ملوثة بالبلاستيك.
تتدفق ألياف البلاستيك المجهرية من حنفيات المياه من مدينة نيويورك إلى نيودلهي فيستهلكها الأشخاص والحيوانات والقطعان.
ويقول محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2006 ومؤسس بنك غرامين لمنظمة أورب: " يجب أن يعيدنا هذا إلى رشدنا. لقد علمنا بأن البلاستيك سوف يرتد علينا من خلال سلسلة الطعام. والآن نرى كيف يرتد علينا من خلال مياه الشرب. هل هناك من سبيل لحل هذه المشكلة؟"
إن هذا التلوث الذي لم يكن معروفا من قبل يتحدى الثراء كما يتحدى الجغرافيا: فعدد الألياف البلاستيكية الموجودة في مياه الشرب الموجودة في مطعم ترامب غريل الموجود في ترامب تاور في مانهاتن، لا يختلف عن عدد الألياف الموجودة في بيروت في لبنان وفي كامبالا في أوغندة.
فقد وجدت أورب أليافاً بلاستيكية حتى في المياه المعدنية المعبأة من قبل ماركات أمريكية سباقة وفي البيوت التي تستخدم مرشحات التناضح العكسي. وبناء على نتائج بحثنا وجدنا أن الإنسان الذي يشرب ليترين من الماء يوميا أو أي شراب كالقهوة والشاي والمشروبات الغازية قد يبتلع 8 ألياف بلاستيكية أي أكثر من 2900 ليفا بلاستيكيا في السنة*.
يقول يونس الذي يخطط للقيام بحملة ضد النفايات البلاستيكية لاحقا هذه السنة: "من الواضح أن حبل المشنقة ينشد حول رقابنا، لقد تم تحذيرنا من قبل حول خطر البلاستيك على الحياة وعلى كوكب الأرض. ولكننا لم ندرك درجة الخطر التي تحيط بحياتنا إلى حين قيامنا بهذه الأبحاث الجديدة وحصولنا على هذه النتائج."
ويعتقد العلماء أنه من الممكن للبلاستيك أن يطلق السموم عندما يدخل جسم الإنسان. وفي مقابلة مع الدكتور ريتشارد تومسون، وهو معاون عميد في البحوث في جامعة بلايماوث في بريطانيا، تناولنا نتائج دراسات أجريت على الحيوانات فصرح بأنه قد: "تبين بشكل مبكر جداً بأن البلاستيك يطلق هذه المواد الكيميائية وأن الشروط داخل الأمعاء تسهِّل عملية الإطلاق هذه بشكل أسرع."
يقول تومسون: إذا أعدنا النظر بموضوع البلاستيك نجد أنه لا يتم تقييم فوائده مقارنة مع الأضرار التي يسببها.
البلاستيك غير المرئي موجود داخل أجسامنا وداخل أجسام أطفالنا.
وداخل جسم ملكة بريطانيا.
ويقول مارك براون، عالم السموميات البيئية في جامعة نيوساوث ويلز في استراليا: "حتى الملكة اليزابيث نالت نصيبها من البلاستيك، كذلك الأمير تشارلز وكل الناس، أنا واثق بأننا في كل مرة نطلق مادة جديدة في السوق سنجدها لاحقا في أجسام البشر وأجسام الحيوانات البرية- نعم هذه هي المشكلة."
المشكلة أن البلاستيك يهيمن على عالمنا، فنحن نتابع تصنيع المزيد منه ثم نقوم برميه بشكل متزايد.
هناك الكثير من الدلائل على أن البلاستيك هو نفاية مؤذية، وأنه يشكل تهديدا على الحياة البرية. وقد وجدت علاقة ما بين المواد الكيميائية المستخدمة في البلاستيك وبين العديد من الأمراض، منها مرض السرطان.
تنضم الألياف البلاستيكية إلى لائحة مقلقة من الملوثات التي تهدد مصادر المياه في العالم، ومن هذه الملوثات المواد الكيميائية المعطلة للغدد الصماء.
ولكن الحكومات مازالت لم تلتف إلى معنى وجود البلاستيك في مياه الشرب والطعام والهواء وأثره على حياة البشر.
ويقول ألبرت أبلتون، مسؤول سابق عن مياه مدينة نيويورك في مقابلة أجريت معه: "لا تستطيع أن تجزم بمدى جدية هذه المشكلة حتى تدرك كيفية تأثير وجود البلاستيك على أعضاء الإنسان. هل يتراكم بيولوجيا؟ هل تؤثر على تشكل الخلايا؟ هل هو ناقل لمسببات الأمراض المؤذية؟ إذا تكسر، ما هي منتجات هذا التكسر؟."
إن بحث أورب "يثير الأسئلة أكثر مما يوفر الإجابات" قال أبلتون. الولايات المتحدة لا تضع قوانينا تضبط حبيبات البلاستيك الموجودة في مياه الشرب.
ويقول لينكون فوك، العالم البيئي في جامعة التعليم في هونغ كونغ: "مازال البحث حول صحة الإنسان في مراحله البدائية".
أشرفت شيري آن ماسون، الرائدة في أبحاث البلاستيك المجهري، على دراسة أورب التي شملت أكثر من 150 عينة مياه شرب جمعت من 5 قارات. كما قامت الباحثة ماري كوسوث باختبار العينات في جامعة مينيسوتا في كلية الصحة العامة.
وتقول ماسون رئيسة كلية العلوم الجيولوجية والبيئية من جامعة نيويورك العامة في فريدونيا: "لدينا من البيانات الناتجة عن مراقبة الحياة البرية والتأثير الذي يتركه البلاستيك عليها" ما يكفي لإثارة قلقنا. "إن كان البلاستيك يؤثر على الحياة البرية، كيف لنا أن نظن بأنه لن يؤثر علينا نحن أيضا؟"
إن وجود الألياف في مياه الشرب يعتبر كاكتشاف وكعلامة - فهو مؤشر واضح يشير إلى الدرجة التي اخترق البلاستيك فيها حياتنا واعضائنا البشرية. فنحن لا نستطيع أن نرى الجزيئات الملوثة ذات السلاسل الطولية مثل المواد الكيميائية البولي فلورولكيلية، مع العلم أنها تسكن في أكثر من 98% من الشعب. ولكن عندما نرشح الألياف في مختبر ونكبرها بالمجهر ندرك تماما بأن التلوث واقع حقيقي.
وتقول تمارا غالواي وهي عالمة السموم الإيكولوجية في جامعة إيكزيتر في بريطانيا: "هناك طرق متعددة تكون فيها أنت عرضة للبلاستيك أو المواد الكيميائية ذات الصلة بالبلاستيك، والطريق الأساسية ستكون من خلال الطعام والماء."
الشيء الذي لانزال لا نعرفه هو تبعات ذلك على صحة الإنسان.
***
تطلق مصانع العالم أكثر من 300 مليون طنا من البلاستيك سنويا، وهذا يعادل وزن46 هرما من أهرامات الجيزة في كل 12شهرا.
أكثر من 40٪ من هذه الكمية المتألفة من علب وأكياس ومصاصات بلاستيكية تستخدم مرة واحدة فقط قبل أن ترمى في القمامة. وهذا يعادل وزن 18 هرما عظيما يرمى في القمامة أو في النهر.
ولكن البلاستيك عنيد ويرفض التلاشي.
خذ أي شيء تم تصنيعه قبل سنة 1940 بدءاً من فأس صيني قديم وعريض وانتهاء بمحرك سفينة بخارية اسكوتلندية، ثم اتركه في مكان ما. سترى بأن عبر الفصول والسنين سيتأكسد المعدن ويتآكل، بينما يتعفن الخشب ويتآكل، وستعود هذه المواد إلى الأرض.
إلا البلاستيك. فالشوكة البلاستيكية التي استخدمتها أثناء الغداء قد تتكسر ولكنها لن تتدمر أو تختفي نهائيا. ففي الوقت الذي يتحول فيه الحديد والمعادن إلى صدأ فإن تفكك البلاستيك لا يتعدى التكسر إلى قطع دقيقة جدا لتصبح شظايا مجهرية من البلاستيك، نعم إنه الملوث الذي يبقى لآلاف السنين.
إن الخوف من ذلك بالإضافة إلى سرعة انتشار البلاستيك في كل مكان هو ما جعل العديد من الخبراء ينظرون إلى التلوث البلاستيكي على أنه تحدٍ لا يقل خطورة عن تحدي التغيير المناخي.
ويقدر العلماء بأن هناك تريليونات من قطع البلاستيك الموجودة في القطب الجليدي وأن تريليونا إضافيا من قطع البلاستيك تطفو على سطح المحيط.
وبينما يبقى حجم كمية البلاستيك الخفيف الذي يتقلب تحت الأمواج غير معروف، تبين من نتائج استطلاع أجريناه عام 2015 أن 28% من الأسماك الموجودة في إحدى اسواق إندونيسيا تحتوي على البلاستيك في أمعائها. في كاليفورنيا 25٪ من الأسماك و33% من العينات الرخوية تحتوي على بلاستيك.
ليس في المحيطات فقط. حتى المياه العذبة مصابة بقطع النفايات الكبيرة وقطع البلاستيك المجهرية، أي شظايا دقيقة جدا وألياف مركبة مفتولة.
تشكل البحيرات الخمسة العظيمة المتصلة على الحدود الكندية الأمريكية أكبر مجمع للمياه العذبة في الكرة الأرضية. ويتواجد البلاستيك المجهري بكثافة في بعض مياه البحيرات العظيمة وداخل أجسام أسماكها تماما كما هو الحال في المحيطات.
إنه وباء عالمي. فبحيرة فيكتوريا الواقعة في شرق أفريقيا أيضا تحتوي على البلاستيك في مياها. وقد اتضح من دراسة حديثة أن حبيبات وألياف البوليثايلين، بولي أوريثين، بولييستر ومطاط السيليكون موجودة داخل 20% من أسماك بحيرة فيكتوريا.
يخشى الباحثون أن تسبب حبيبات البلاستيك الموجودة في مأكولات البحر أمراضا للبشر وذلك من خلال إطلاق المواد السامة الممتصة في المياه الملوثة أو من خلال إفراز المكونات الكيميائية الخاصة بها.
بالنسبة للبعض ممن يعتمدون على الحياة البحرية في كسب رزق عيشهم، فكرة وجود أسماك بلاستيكية تسبب لهم الذعر والرفض.
* * *
إنه يوم واعد جميل في منطقة سكنية خارج ميناء مورا أنجكي في إندونيسيا، حيث حظيت القرية بطفلة جديدة فأقيمت الاحتفالات ومُدت مائدة الطعام التي احتوت على الدجاج والقريدس وكرات الرز على الفحم. ولدت الطفلة الجديدة في سيارة أجرة حينما كانت تسرع أمها إلى المستشفى، لذلك تضحك الأم قائلة قد يطلقوا على طفلتي اسم "مرسيدس".
إن التي أقامت الاحتفال هي جدة المولودة كانية البالغة 50 عاما والتي غيرت عملها قبل 20 سنة من تقشير الأصداف إلى بيع مأكولات البحر المطبوخة إلى المطاعم المحلية. مباشرة بعد العودة من القوارب يقوم الرجال بتبخير الأصداف في أوعية معدنية ثم تقليبها وهي ساخنة على قطع كبيرة من القماش ليقوم بعد ذلك ستة عمال بتقشيرها في وسط أبخرة متصاعدة.
"لقد أعطتنا الأصداف مصدرا للعيش". هذا ما قالته كانية بينما كانت واقفة خارج بيتها المريح ذي السقف المعدني تراقب تحضير كمية من الأصداف. ولكنها تتشنج من مجرد ذكر موضوع البلاستيك المجهري.
"أنا أعيش هنا منذ وقت طويل ولم أسمع يوما بأن الأصداف تأكل البلاستيك" قالت كانية التي تستخدم اسمها الأول فقط. "هل يمكن أن يموت الإنسان منه؟ هذا مثير للقلق."
في منطقة تبعد ثمانمائة ألف كيلومتر غربا عبر المحيط الهندي، يكسب الصياد جيمس نسيريكو البالغ 60 عاما عيشه من مياه بحيرة فيكتوريا في أوغندة
إن الرياح الاستوائية والأمواج المشابهة لأمواج المحيطات تجعل التجديف صعبا، وفي معظم ليالي الصيد تلتقط شبكة الصيد كمية من النفايات تعادل كمية أسماك التيلابيا التي تعلق بها. "قبل عشرين سنة لم يكن هناك هذا الكم من البلاستيك كما هو الحال اليوم" يقول جيمس "اليوم الوضع مستفحل".
ولكن بلاستيك داخل السمك؟ بلاستيك في مياه الشرب؟
"لم نجد شيئا كهذا من قبل" قال جيمس. على بعد مئتي متر وخارج كوخ معدني قديم، يوجد صنبور يجلب الماء من محطة مياه واقعة على ضفة البحيرة تؤمن الماء المعالج بالكلور لحوالي 7000 شخص.
أخذت أورب عينة بقدر نصف ليتر من صنبور هذه القرية التي تسبق القرى الأخرى في الحصول على ماء بحيرة فيكتوريا المعالج من محطة ضخ قريبة. وقد وجدت في هذه العينة 4 ألياف بلاستيكية.
كان من الممكن أن يكون هذا الأمر أسوأ في القرية.
ففي عينة أخذناها من مبنى البرلمان الأمريكي حيث يتواجد مجلس الشيوخ ومجلس النواب وجدنا 16 ليفا بلاستيكيا، وحصلنا على نفس النتيجة من عينة أخذناها من المبنى الرئيسي للوكالة الأمريكية للحماية البيئية.
وأظهرت نتيجة عينة أخذناها من حنفية مبنى بلدية مدينة نيويورك وجود 10 ألياف بلاستيكية، بينما العينة التي أخذناها من ترامب تاور وهو البناء المميز للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أظهرت وجود قطعتين من الألياف. أما عينة الماء المأخوذة من نادي سلون الخاص في لندن فكان فيها 6 ألياف.
* * *
من بين الطرق المتعددة التي قد يسلكها البلاستيك ليدخل إلى البيئة تمكن العلماء من إثبات طريق واحدة فقط وهي ما تلبسه أنت الآن.
تطلق المنسوجات الاصطناعية مثل الصوف الاصطناعي والبوليستر والسبانديكس والأكريليك أليافا في كل مرة تغسلها. ويقدر بأن كمية الألياف التي تنطلق من جراء غسل قطعة ملابس واحدة 1900 ليفا، بينما كمية الألياف التي يطلقها غسل 13 باوند أي ما يعادل 6 كيلوغرامات من الملابس قد تصل إلى 700000 ليفا.
في الولايات المتحدة تصفي محطات معالجة مياه الصرف الصحي ما بين 65-92٪ من مياه المجاري، أما الباقي فيصب في الأنهار وجداول المياه. وبحسب تقدير متحفظ، يقدر بأن 64000 باوندا من ألياف البلاستيك ترمى يوميا في مجاري الصرف الصحي الأمريكية لتتراكم كأطيان أو تنضم إلى النهر لتصب أخيرا في البحر.
وتعتقد الأستاذة ماسون بأن بعض هذه الألياف تنتقل عبر الأنظمة المائية إلى مجتمعات ومناطق أخرى لا تتوافر فيها أنظمة التصفية والترشيح فتدخل البيوت مباشرة.
تقول الأستاذة ماسون: "ترمى هذه الألياف البلاستيكية في النهر فتتدفق معه حتى يصل إلى نهايته حيث توجد بلدة أخرى، فتأخذ تلك البلدة هذه المياه إلى محطات معالجة المياه وهكذا... كلنا عُرضة لأن نكون في نهاية النهر فنأخذ نفايات أشخاص آخرين."
إن تفسير الأستاذة ماسون قد ينطبق على المدن التي تعالج مياه الصرف الصحي القادمة مع مصادر المياه الطبيعية. ولكن ماذا عن المدن التي لا تعالج هذه المياه؟.
ومدينة نيويورك البالغ تعداد سكانها نهارا 10 مليون نسمة وضعت محطات تصفية المياه في أعالي جبال كاتسكيل ومنعت معظم أعمال التنمية الاقتصادية هناك. ومع ذلك فقد وجدت أورب أليافا في كل العينات المأخوذة منها. فمن أين أتت هذه الألياف؟
للبحث عن إجابة محتملة على هذا السؤال يجب أن ننظر إلى سطوح البيوت في المدينة المنافسة ثقافيا لمدينة نيويورك وهي باريس، فقد وجد الباحثون هناك أن الألياف البلاستيكية تسقط من الهواء، وقدروا بأن نسمات الهواء والأمطار ترمي على سطح المدينة كمية من الألياف الاصطناعية تتراوح ما بين 3-10 طنا.
وقال جوني غاسبري المحاضر في جامعة باريس-إي كريتيل: "نحن موقنون تماما بأن تلوث البحيرات والسطوح المائية الأخرى قد يحدث من خلال تراكمات موجودة في الجو، فمن نتائج مراقبتنا للجو في باريس تبين بأن كميات كبيرة من الألياف تتواجد في الغبار المتساقط من الجو."
وقد تكون آلات التجفيف طريق أخرى. فحوالي 80% من العائلات الأمريكية تقتني آلات تجفيف أتوماتيكية، وهذه الآلات تطلق هواء مليئا بالألياف مما قد يساهم بزيادة الألياف الاصطناعية في هواء أمريكا الشمالية، بينما يبقى الجو في أوروبا أقل تضررا، وذلك لأن أوروبا تستخدم تقنيات مختلفة في آلات التجفيف دون تهوية. ونفس الشيء ينطبق على البلاد التي تعتمد نشر الغسيل على الحبال لتجفيفها.
وفي ضوء هذه الفرضية، سئل كاسبري عن الطريقة التي تصل فيها الألياف إلى الهواء، فقال: قد يكون احتكاك الملابس أثناء النهار هو الطريقة الرئيسية لذلك.
أي مثل الاستهلاك العادي واليومي للملابس، فعندما تحتك ملابسك تطلق البلاستيك وهذا يشابه جدا حال القطط التي يتساقط شعرها. فالسجاد والمفروشات وغيرها من المنسوجات الاصطناعية ذات الاستخدام المكثف تطلق الألياف. وبحسب هذه النظرية تنطلق الألياف مع الرياح وتجوب الأرض تماما مثل رماد البراكين ودخان الصناعات.
وهذا ما يفسر وجود الألياف البلاستيكية في مياه الصنابير في مناطق تتغذى على مياه جداول الجبال في الإكوادور. وهو أيضا ما يفسر عثور باحثي منظمة مشروع روزاليا غير الربحية على ألياف بلاستيكية في المنبع البعيد لنهر هدسون في ولاية نيويورك.
وبحسب قول مؤسسة المشروع رايتشل ميللر: "لقد اكتشفنا أن الألياف المجهرية موجودة في كل مكان، فهي في المناطق الجبلية التي لا يوجد فيها الكثير من الناس، وفي المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة وفي المناطق المجاورة لمدينة نيويورك. إنها في طريقها إلى المحيط."
ومع ذلك حتى التفسيرات الجوية لا تحل هذه المعضلة.
وذلك لأن الملايين من الناس حول العالم يحصلون على مياههم من مصادر مياه جوفية أو من آبار في منازلهم كما هو الحال في جاكرتا أو من الينابيع الطبيعية في بيروت. لقد وجدنا أليافا في المدينتين.
هل بلغ حجم الألياف البلاستيكية المجهرية التي هي أقل من عُشر المليمتر درجة كافية من الصغر تمكنها من تلويث الآبار السطحية المتغذية على مياه الأمطار وخزانات المياه الجوفية؟.
لا أحد يعلم.
* * *
لدينا 159 عينة من مياه الشرب المأخوذة من جميع أنحاء العالم. وقد تبين أن 83% من هذه العينات تحتوي على ألياف اصطناعية. وقد أظهرت الأبحاث الكثيرة درجة خطورة نفايات البلاستيك- والمخبأ أعظم.
ماذا يحدث للألياف التي نستنشقها؟
هل تقوم الرئتان بتصفية الهواء من هذه الألياف كما تفعل مع الأجسام الغريبة الأخرى في الهواء؟
ماذا يحل بمئات الملايين من الأشخاص الذين يعانون من أمراض الربو المزمن؟
هل يستطيع المرضى التخلص من الألياف البلاستيكية الموجودة في أجسامهم بنفس السهولة التي يتمكن بها الأشخاص الأصحاء من فعل ذلك؟
هل تسبب الألياف المستنشقة زيادة في تعقيد الأمراض المزمنة؟
إن وجدت الألياف الاصطناعية في مياه الصنبور فهي حتما موجودة ايضا في الطعام، أي في الخبز والعجين والمعكرونة والشوربة وحليب الأطفال، تأتي من مطبخك ومن رفوف الدكاكين. (حتى المطعم الذي تأكل فيه قد يضيف إلى طعامك أليافاً محمولة في الهواء هذا بالإضافة إلى الألياف الموجودة في الماء. وقد أظهرت الدراسات أن الألياف متواجدة أيضا في الملح البحري.)
هل تتراكم الألياف البلاستيكية في أمعاء البشر؟ أم هل تنتقل بنفس سهولة انتقال بذور التفاح؟ يعتقد الباحثون بأن بعض حبيبات البلاستيك التي يبتلعها الإنسان مع المحار والأصداف تبقى في جسمه. فهل تصبح الألياف خطيرة إذا تراكمت؟ قد تسبب الألياف البلاستيكية التهابات وقد تنتقل إلى أعضاء أخرى وتطلق مواد سامة قد تلحق الضرر بصحتك أو لا تلحق.
وكيف لك أن تعلم هذا؟
وتقول ماسون: "الموضوع لا يقتصر فقط على تعرضك للبلاستيك، بل يتعدى ذلك ليطال الأطفال، فهم منذ لحظة مولدهم يتعرضون لـ 300 نوع من المواد الكيميائية المركبة. إن كنت تريد أن تكتشف ما هو المصدر الأساسي للآثار على الصحة البشرية التي قد تعاني منها عندما تتقدم في العمر لا يوجد لك سبيل لمعرفة ذلك المصدر.
ما هي علاقة البلاستيك الموجود في الماء والطعام بأخطار البلاستيك الأخرى - مثل المواد الكيميائية المعطلة لعمل الغدد الصماء ـ وهي مواد تحدث تغيرات في نظامك الهرموني- المستعمل في تغليف المواد الغذائية ومثبطات الحريق ومبيدات الآفات؟
وفي مقال جديد نشرته مجلة لانسيت لأمراض السكري والغدد الصم قدرت تكلفة معطلات الغدد الصم في عام 2010 بـ 340 مليار دولارا أمريكيا، أي ما يعادل 2,33% من الناتج المحلي الكلي، هذا بالإضافة إلى أمور أخرى مثل الإعاقات الذهنية عند 43000 طفلا معرضا لهذه المواد الكيميائية و33000 حالة سمنة مبكرة و3600 حالة سرطان الخصية. هذه المعطلات تكلف الاتحاد الأوروبي 217 مليار دولار، أو ما يعادل 1,28% من الناتج المحلي الكلي.
ويقول موظف المياه السابق أبلتون: "إن ما تقوم به الولايات المتحدة من أجل ضبط المواد الكيميائية قانونيا ليس بالشيء الرائع".
فمثلا، ما هي درجة الخطورة في حال امتصت الألياف البلاستيكية في مياه نهر الغانج معطلات الغدد الصم قبل أن تصبح جزءاً من مياه الشرب في مدينة نيودلهي؟
وقالت باحثة جامعة إيكزيتر تمارة غالواي: "نحن لم نفكر من قبل بهذه الخطورة".
نحن الآن في زمن يزداد فيه الوعي ويزداد فيه القلق.
وتقول مرسيدس نورونيا البالغة 61 عاما من العمر بعد أن علمت بوجود الألياف البلاستيكية في العينة المأخوذة من بلدتها في جنوب كيت: "إن الوضع سيء، فنحن نسمع الكثير عن مرض السرطان، ربما أبالغ في هذا ولكنني قلقة حيال الأشياء التي تأتي مع الماء".
وهذا شأن العديد من الناس، فقد أظهر استطلاع أجرته شركة غالوب مؤخرا بأن 63% من الأمريكيين قلقون كثيرا حيال تلوث مياه الشرب، وهذه أعلى نسبة منذ عام 2001.
وبينما يعمل العلماء على تطوير طرق لتقييم خطورة التلوث الناتج عن البلاستيك المجهري على صحة الإنسان، نجد أن هناك أشخاصا آخرين يعملون على إيقاف تدفق البلاستيك إلى البيئة ومنها إلى أجسامنا.
ومع العلم أن واقع هذه الجهود ليس جميلا ولكنه مفعم بالطاقة.
* * *
ضوء الفلوريسنت باهت والهواء ضبابي بينما المروحة الوحيدة في الغرفة لا تعمل. لا يبدو أن أحدا يلاحظ ما يجري، فالعيون كلها منصبة على الآلة.
في ورشة في مدينة نيودلهي تستند الآلة إلى الحائط البعيد الملوث حيث تهدر وتصدر دخانا كثيفا مثل سيارة قديمة. يصب العاملون رقائق البلاستيك الأسود المقطع التي حصلوا عليها من مورد لقطع غيار السيارات في فتحة الآلة وينتظرون خروج القاذورة الكيميائية.
تنصهر الرقائق داخل الآلة لتصبح سائلا سميكا ضارا يطرح داخل أنابيب رفيعة من الأبنوس اللماع ممتدة على بكرات حديدية، فيمر عبر طبقة من الماء ومنها إلى الطاحونة التي تقطع هذه القصاصات وتحولها إلى حبيبات ساخنة ولماعة. وفي غضون 24 ساعة تصل هذه الحبيبات إلى معمل صغير في مكان آخر من هذه المدينة الضخمة لتتعرض إلى نار قوية فتأخذ شكل صناديق مآخذ الكهرباء.
ا تعترض الجهة الإدارية على مجيء الزوار ولكنها ترفض إعطاء أسماء محددة
تكرر دلهي أكثر من 1800 طنا من البلاستيك يوميا، أينما كنت في أنحاء العالم وحيثما وجدت دكاكين غير نظامية كهذه حيث تكون سندات ملكية الأراضي والتراخيص والإمدادات الكهربائية مشبوهة، يتم في هذه الدكاكين إنقاذ الكرة الأرضية من اجتياح البلاستيك المؤكد.
ومع العلم أن الظروف والمعدات في هذه الدكاكين ذات مستوى تقني منخفض وربما هي ليست مناسبة للحالات الحساسة إلا أنها أفضل شيء ضمن واقع البلاستيك الحالي.
في مكب نفايات كيتيزي الواقع خارج مدينة كامبالا، يشق العاملون طريقهم في بحر من القناني المصنوعة من البلاستيك الأخضر يصل ارتفاعه إلى الخصر، حيث يقومون بنزغ الأغطية واللصيقات، ثم في سقيفة مظلمة مليئة بالآلات تُقطّع القناني وتُغسَل وتُعَلَّب في أكياس لها حجم صندوق التابوت وبعد ذلك تُشحَن إلى الصين حيث يقوم الزبون بتحويلها إلى أحذية وأغطية أسرة. إن هذه العملية هي جزء من أربعة إجراءات أخرى في المكب توظف 40 شخصا معظمهم من النساء.
ولكن حالما يتم غسل أغطية الأسرة هذه ستساهم بدورها في التلوث الناتج عن الألياف.
أما قناني المشروبات الغازية فهي مصنوعة من تيريفثالات بولي إيثلين أو من بلاستيك PET وهو البلاستيك الأنسب من ناحية النفايات البلاستيكية فهو سهل الصنع وسهل التكرير.
بالنسبة لبعض البوليميرات الحل الوحيد هو الإبادة التامة.
* * *
كان من المفروض أن يكون اليوم يوما جميلا على شاطئ داغوبان الواقع على بعد 100 ميل شمال مدينة مانيلا في الفيليبين. فالشاطئ هنا له مزايا الجزيرة المثالية من حيث السماء الزرقاء والغيوم البعيدة وأشجار النخيل المتناغمة، فهو يشبه الأماكن التي يصورون فيها إعلانات البيرة، ولكن اليوم يشتعل مكب المدينة نارا.
وهذا المكب موجود على الشاطئ منذ 50 سنة وقد أصبح الآن كبيرا جدا.
معظم النفايات القابلة للتفكك والمتواجدة في هذا المكب قد تفككت منذ زمن وتحولت إلى سماد أو غاز المتان. ولكن ما تبقى هو جبل من البلاستيك يبلغ وزنه 00042 طنا يتدفق البلاستيك منه إلى المحيط. وتنتشر جماعات من ملتقطي النفايات في هذه الكومة التي تطلق الدخان والتي لا تتجاوز مساحتها سبعة فدانات.
قد ينتهي هذا المشهد المروع قريبا. فقد اتفقت عمدة المدينة بيلين فيرنانديز مع شركة أمريكية لبناء محطة تحوِّل نفايات المدينة إلى وقود يغذي سفن الصيد في المدينة وموتورات الأجرة فيها.
يسمى التفاعل تفاعل بايرولايزيز. يتم تسخين البلاستيك إلى درجات حرارة عالية جدا في غرف مغلقة تماما، ثم يتكسر ويتحول إلى غازات غنية بالهايدروكاربون، ثم تُكثَّف هذه الغازات فتتحول إلى وقود المازوت السائل. وهذا التفاعل لاهوائي أي لا يطلق الدخان.
"سأحدثك بصراحة، في البداية لم نرد أن نتبع هذه الطريقة" قالت جيل بوغتون خبيرة النفايات في شركة وايست تو ورث إنوفيشين (إبداعات لتحويل النفايات إلى مواد ذات قيمة) التي ستبني المحطة. "إن داغوبان تستقبل 30 طنا من النفايات يوميا وهذه الكمية ليست كبيرة. فمع 30 طنا يوميا من النفايات من الصعب أن تحقق أي ربح من الاستثمار."
ولكن السيدة فيرنانديز التي وضعت منصبها كعمدة على المحك من أجل إزالة المكب أصرت على بوغتون فتعاطفت هذه معها، وقالت: "نحن موقنون أن شركة وايست تو ورث إنوفيشين (إبداعات لتحويل النفايات إلى مواد ذات قيمة) لا تقتصر فقط على المدن الكبيرة والنفايات الكثيرة. تمثل داغوبان مثالا على هذا المشروع في المدن الصغيرة، إن تمكنا من النجاح في عملنا هنا، أؤكد لك أننا سننجح في كل مكان."
إن بدت لك مدينة داغوبان في بداية الأمر كمكان صغير بالنسبة لمستثمري تحويل النفايات إلى طاقة فماذا ستقول عن المفاعلات التي صممها نوبل بانادا في حديقة منزله.
فهي ليست بدون دخان.
نوبل بانادا، أستاذ ورئيس كلية الهندسة الزراعية والأنظمة البيولوجية في جامعة ماكيرير في كامبالا، طور مفاعلا رخيصا يتغذى على الخشب ومصنوع من أسطوانة معدنية تحول البلاستيك إلى مازوت ذي نسبة منخفضة من الكبريت. وقال: "كان هدفنا تصميم فرن صغير يستطيع أهالي المدن وخاصة في المناطق الفقيرة من شرائه ليبدؤوا مشروع عمل من أجل جمع البلاستيك وتذويبه. هذه هندسة عكسية. سينعكس إجراء صناعة البلاستيك ليعود ويصبح مازوت."
قد يتذمر البعض من استخدام خشب الأشجار لصناعة المازوت، ولكن في أوغندة الخشب أرخص من الكهرباء، في نفس الوقت تعتبر الأشجار موارد متجددة. إن مفاعل بانادا مازال في مراحله المبتدئة، ففي تجربة قام بها في ورشة عمل واقعة في منطقة ريفية لم تكن درجة الحرارة الداخلية مستقرة على قيمة 550 درجة مئوية. وبالتالي فإن معظم البلاستيك المستخدم في التجربة تحول إلى شمع البارافين بينما تشكلت وقية واحدة فقط من المازوت. يعتبر القيام بتطوير هذا المفاعل دليلا على براعة الشعب وفي نفس الوقت مؤشرا على كمية الجهود الواجب بذلها.
تقوم كامبالا بدورها كما تقوم دافوس بدورها أيضا. ففي المنتدى الاقتصادي العالمي في هذه السنة روَّج المشاركون للقيام بمبادرات مثل مبادرة "الاقتصاد التدويري" التي تحث المصنعين والمصممين على تخفيض عدد البلاستيك المتنوع المستعمل في التغليف والتعليب واللصيقات لأن ذلك من شأنه أن يزيد من احتمال إعادة تكريره وتحويله إلى ربح.
إن كان التركيز يبدو وكأنه منصب على تخفيض نفايات البلاستيكية الجديدة بدلا من القيام بإزالة ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية الموجودة في البيئة فذلك فقط لأن خطط القيام بذلك مازالت على نطاق ضيق وعرضة للخلاف ما بين المهندسين ومؤيدي الفكرة. فهم مازالوا يركزون على نفايات البلاستيك الموجودة على سطح المحيط ولم يلتفتوا بعد إلى البلاستيك الموجود في قاع المحيط.
* * *
لا جيشا جبارا من معيدي التكرير ولا نهضة واسعة في محطات تحويل النفايات إلى طاقة تستطيع أن تغير طبيعة المواد الكيميائية ذات الصلة بالبلاستيك، أو أن تغير الألياف الداخلة في مياه الشرب حول العالم. فهذا عمل فئة صغيرة من المختبرات الموجودة حول العالم.
قامت الصناعات النفطية والكيميائية والبلاستيكية خلال العقود الماضية بتحسين منتجاتها، فالبلاستيك مادة ممتازة لحفظ المأكولات والمشروبات، لرفع فعالية الوقود في السيارات ولإنقاذ الحياة البشرية ولتخفيف معاناة المرضى من خلال معدات التعقيم الطبية. ولكن في نفس الوقت ليس من السهل على البلاستيك ان يحتفظ بمواده الكيميائية لنفسه، فالجاكيتات المصنوعة من الصوف الاصطناعي مع العلم أنها تدفئ بشكل جيد ووزنها خفيف إلا أنها تطلق كمية رهيبة من الألياف.
إن التحدي الأكبر هو أن نتمكن من صنع مواد جديدة لها نفس الميزات العملية للبلاستيك الحالي، ومن هنا فهناك الكثير من العمل الواجب القيام به للوصول إلى تلك المواد. فالبلاستيك الحيوي والبولميرات القابلة للتحلل والمصنوعة من مصادر نباتية مثل نشاء الذرة وجذر التابيوكا الاستوائي هي واحدة من الحلول البديلة النامية الآن أكثر بكثير من النفط.
في نفس الوقت وافقت شركة إيكيا الضخمة على استخدام 10 مليارات رطل من بلاستيك "الشيء المصنوع من لا شيء" واسمه إير كاربون وهو بلاستيك مصنوع من غازات الدفيئة المجمعة. سيتم إنتاج بلاستيك إيركاربون من أشياء قابلة للتحلل الحيوي وأشياء أخرى غير قابلة للتحلل الحيوي. ويقول جو بوركهارت مصنع المفروشات المكتبية الأمريكي إن هذا البلاستيك "سيغير الوضع تماما"
سواء أتى البلاستيك من الجذور أو من الغاز، هذه المقاربات تعطي حفنة من الأمل بمستقبل مبدع أقل سموما. فشركة بولت ثريد في كاليفورنيا وشركة سبايبر في اليابان تستخدمان البروتين المصنوع من حرير العنكبوت لنسج ألياف متينة وتأملان أن تكون هذه المنسوجات أكثر ثباتا وأن تطلق أليافا أقل من المنسوجات الاصطناعية.
هنا وفي الوقت الحاضر تتركز حلول المنزل حول حل مسألة التلوث الناتج عن الألياف.
تبيع شركة ويكسكو مرشحات رخيصة (فيلترات) للغسالة الكهربائية حيث تقوم هذه المرشحات بالتقاط الألياف التي يصل حجمها إلى 160 ميكرون، أي بما يعادل ست مرات حجم الواحد بالألف من الإنش. (أما المرشحات التي استخدمتها أورب لفحص عينات المياه تصفي الألياف التي يصل حجمها إلى 2,5 ميكرون.) ستطرح باتاغونيا في السوق أكياس تصفية تلتقط الألياف التي تطلقها المنسوجات الاصطناعية المركبة أثناء الغسيل. وقد قام مشروع روزاليا بتطوير كورا بول التي تلتقط حوالي 35% من الألياف البلاستيكية المنبعثة من دفعة غسيل واحدة. ومع مرور الزمن والاستمرار بالاختبار المتواصل سنعلم إن كانت هذه المصافي فعالة أم لا.
لم تبدأ البلديات إلا مؤخرا بفهم أهمية الدور الذي تستطيع أن تلعبه في منع التلوث الليفي. وقد بيّن كارتيك تشاندران، المهندس البيئي في جامعة كولمبيا، بأن إبطاء عملية معالجة مياه الصرف الصحي يساعد المنشآت على التقاط كمية أكبر من الألياف البلاستيكية، ولكن ذلك قد يتطلب إنشاء معدات معالجة إضافية وهذا يعني زيادة في التكلفة الأساسية.
* * *
لا يتوقع أحد منا أن تترك أدوات المنزل في أجسامنا البلاستيك او المواد الكيميائية ذات الصلة بالبلاستيك. ، كما أن مصنعي البلاستيك وأصحاب الماركات لا يطلبون الإذن منا عندما يدخلون البلاستيك إلى أجسامنا. وحيال ذلك يقوم المسؤولون الحكوميون وأصحاب الصناعات والباحثون المستقلون بمبادرات بطيئة وفي معظم الأحيان تكون مبادرات متناقضة حيث تتناول موضوع كميات التلوث التي تقع ضمن حدود السلامة. ولكن قد يصبح هذا البطء مكلفاً جدا: فعندما قامت الحكومة الأمريكية أخيرا بمنع استخدام مادة بي دي بي إي (PDBE) في الأجهزة الالكترونية وملابس الأطفال والأثاث، كان التعرض للمواد الكيميائية قد أدى إلى انخفاض مؤشر نوعية الذكاء بما يعادل 11 مليون نقطة من القدرة الذهنية عند عشرات الآلاف من الأطفال الأمريكيين، كما أدى إلى تكلفة تعادل 266 مليار دولار بالإضافة إلى الحالات القلبية غير المحصاة.
مازالت الدراسات التي تبحث في التأثير الصحي للبلاستيك المجهري على البشر في بدايتها، وليس من المؤكد إن كانت الحكومات ستقوم بوضع عتبة سلامة لكمية البلاستيك الموجودة في الماء والطعام، ومتى ستقوم بذلك. ومازال هناك الكثير من الدراسات الواجب القيام بها حول تعرض البشر للحبيبات البلاستيكية من حجم النانومتر، أي حبيبات على مستوى المليون من الميليمتر.
في عام 1986 اقترح إيريك دريكسلير العالم الحالم في مجال التقنية النانومترية فكرة "مشكلة غراي غو" التي صور فيها المستقبل حيث تتكاثر روبوتات صغيرة بسرعة مذهلة مستهلكة العديد من المصادر الطبيعية حتى أنها تسببت باستهلاك معظم الحياة على وجه الأرض. ومؤخرا في عام 2000 أعاد عالم الكمبيوتر بيل جوي وهو واحد من مؤسسي سان مايكروسيستم (أنظمة الشمس المجهرية) التفكير في هذه الفرضية حيث وصف خطورة الأبحاث الضخمة الخارجة عن السيطرة والتي تتناول مواضيع الجينات والتكنولوجية النانومترية والروبوتات والخارجة عن السيطرة.
ولكن ماذا لو أننا لسنا بحاجة إلى الكمبيوترات الخارقة والروبوتات المتكاثرة لندمر كوكب الأرض؟ أظهرت الكارثتان التؤامان وهما التلوث الناتج عن البلاستيك والتغيير المناخي أن كل ما نحتاجه لتدمير الأرض هو نفط رخيص وصناعة كيميائية عظيمة وارتفاع بمستويات العيش وأرباح هائلة. ونهاية قصة عصر البلاستيك ليست سعيدة.
وقد قال محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام "بما أن مشكلة البلاستيك هي من صنع الإنسان حصرا ونتيجة لعدم اكتراثنا فمن الممكن حلها من خلال التركيز عليها، وما نحتاج إليه الآن هو التصميم على القضاء على المشكلة قبل أن تقضي هي علينا".
*ملاحظة:
لقد تم نشر الدراسة التي اعتمد عليها هذا التقرير في مجلة مراجعة الأقران العلمية بلوس وان Plos One. وقبول الدراسة في هذه المجلة معناه أن مجموعة من الخبراء من خارج المنظمة فحصوا الدراسة ووجدوا أن الطرق التي اعتمدتها واستنتاجاتها معقولة. توسع مقال بلوس وان وصفها للألياف الموجودة في عينات مياه الصنابير المجموعة من حول العالم لتشمل البلاستيك ومواد اصطناعية أخرى. وفي التقرير المخبري الذي كتبته المحققة الرئيسية ماري كوسوث في السادس عشر من مايو/أيار عام 2017 لأورب ميديا وجدت أن الألياف الموجودة هي ألياف بلاستيكية أي بوليمير مركب. إلا أن كوسوث والكاتبات المشاركات شيري ماسون وإليزابيث واتينبيرغ استخدمن في مقال بلوس وان مصطلح "أنثروبوجينيك" أي صنع الإنسان ليصفن هذه الألياف. وقد صرحت الكاتبات أنهن استخدمن هذا المصطلح في بلوس وان لأنه باستخدام مطيافية الأشعة تحت الحمراء لم يتم التأكد بأن الألياف التي وجدتها كوسوث في عينات مياه الصنابير المجموعة من حول العالم مادة بلاستيكية. وبما أن صبغة روز بنغال المستخدمة في هذه الدراسة تكشف فقط عن المواد الطبيعية تقول الكاتبات "فمن المنطقي أن نفترض بأن الحبيبات الموجودة على الأقل هي حبيبات مركبة وبأنه على الأغلب يمكن تصنيفها كبلاستيك مجهري، ولكن بما أنه من الضروري. القيام بتحاليل مطيافية مثل أطياف تحويل فورييه للأشعة تحت الحمراء (FTIR) للتأكد من هذا الافتراض نستخدم في هذا التقرير المصطلح الأكثر عمومية"